د.محمد تركي أبوكلل يكتب: انعكاسات الربيع العربي على العراق.. ما فعله صدام يجعل من مبارك ملاك أمامه
انعكاسات الربيع العربي على العراق.. ما فعله صدام يجعل من مبارك ملاك أمامه
د. محمد تركي ابو كلل ممثل كتلة المواطن البرلمانية العراقية في ج.م.ع
"الثورات"، حالة اجتماعية تعكس واقع مأساوي ككبت الحريات أو وجود مصاعب اقتصادية، تقسم المجتمع إلى طبقات متفاوتة اجتماعيا، لذلك كانت 25 يناير 2011 في مصر، هي انعكاس حقيقي لمأساة مجتمع يواجه نظاما فاسدا ماليا وسياسيا حاول التعايش مع فساده وتسلطه لأكثر من 3 عقود، حتى فاض به الكيل ليترجم هذه الحالة إلى موجة بشرية غاضبة ساخطة ترفض مغادرة ميدان التحرير حتى يرحل النظام الفاسد.
ولولا ما تعرضت له ثورة يناير المجيدة على يد جماعة الإخوان الإرهابية، من تشويه بل وسرقة لجهود الشباب النقي الذي فجر ثورة يناير لكانت بحق أعظم الثورات دون منافس، ولولا رحمة الله بمصر ورعايته لهذه الأرض الطيبة لطال حكم الجماعة الفاسدة، واستمر لكن شاء الله أن يكشف زيف ادعائهم، وكذب أهدافهم، وغرضهم الحقيقي، إلا وهو دولة الخلافة المزعومة التي ترجمت بعد ذلك في العراق على يد الإرهابي المنتمي للإخوان أبوبكر البغدادي، بعد أن فشلت الجماعة الإرهابية في إقامتها في مصر؛ لذلك جاءت ثورة 30 يونيو كخطوة لتصحيح حالة الانحراف الذي أصاب ثورة يناير المجيدة، فمن الإنصاف أن نقول: إن الثورة الشعبية في مصر انطلقت في يناير ،2011 وانتهت منتصرة في يونيو2013، فالأولى كانت ضد فساد سياسي والثانية كانت ضد مخطط إرهابي.
ولنفس الأسباب، سبقت الثورة المصرية، ثورة تونس، وتلتها ثورات اليمن وسوريا وليبيا، وهي ثورات اندلعت على الظلم والفساد والدكتاتوريات؛ لكن مع الأسف الشديد تكلل بعضها بالنجاح، كما حصل في تونس وبعضها الآخر لا يزال يمر في مرحلة المخاض القاسية جدا، كما يحدث في اليمن وسوريا وليبيا، وهي الدول التي استطاعت الجماعات الإرهابية أن تضع بداخلها موطئ قدم كما حصل في ليبيا وسوريا، أو في اليمن من تمزق للإرادة الموحدة، والاتفاق على شكل واضح للحكم يضمن العدالة والحرية لجميع الأطياف، وهو ما أدى إلى تأخر حسم الثورات في تلك الدول، واستمرار تدهور الأوضاع الإنسانية فيها، وكان موقف العراق واضحا من كل ثورات الربيع العربي فقد أيدها لأنها انعكاس واضح لإرادة الشعوب، خاصة أن العراق شهد ربيعا مبكرا عام 1991 في محاولة إسقاط نظام صدام حسين، التي انتهت بجرائم إبادة جماعية، ذهب ضحيتها أكثر من 100 ألف عراقي، وكان العراق حريصا على دعم تلك الثورات عبر بيانات التأييد والمظاهرات.
وأذكر أنني في الثورة الليبية، شاركت في مسيرة من السفارة الليبية إلى مقر الجامعة العربية للإسراع بفرض منطقة حظر جوي فوق الأراضي الليبية، حفاظا على أرواح الأبرياء، وكنت أشعر بأنني كمواطن عربي أحمل مسؤولية كبيرة لحماية أخي في ليبيا، الذي ينتظر الموت على يد كتائب القذافي.
ولأن الثورات، ليست مجرد جهد فردي، أو ترجمه لمصالح شخصية، فقد بائت كل المحاولات التي انطلقت في العراق بالتوازي مع ثورات الربيع العربي بالفشل، ففي العراق حاولت مجموعة من "نظام صدام"، البائد أن تعود بالساعة إلى الخلف، وتهدم النظام الديمقراطي في العراق، فتظاهرت في مجاميع ومدن محددة، لكنهم "واهمون" فالشعب قد لفظهم، فجرائمهم وفسادهم بلغ حدا لم يسجل له التاريخ مثيل، فلو كانت ثورة يناير في مصر ضد فساد رموز نظام مبارك أو لأسباب سياسية أخرى فإن ما فعله النظام الصدامي البائد من جرائم إبادة جماعية، ونهب لاقتصاد العراق، سيصور نظام مبارك على أنه ملاك من ملائكة الرحمة أمام أبليس من أبالسة الشر والإجرام، وأعني صدام وأزلامه، كما أن هذه التحركات المشبوهة، لم تخرج من أجل المطالبة بالخدمات التي تشهد واقعا متدنيا للغاية في العراق"، وهو الأمر الذي تحقق في أغسطس من العام الماضي 2015، أو للمطالبة بترشيق المناصب الحكومية التي تسبب في إهدارا كبيرا للمال العام، وهو الأمر الذي حصل في مظاهرات العام الماضي، وأدت إلى إلغاء مناصب نواب الرئيس ورئيس الوزراء وعددا من الوزارات، وأعادت للميزانية العراقية مئات الملايين من الدولارات في ظل أزمة اقتصادية خانقة نتيجة الانخفاض في أسعار النفط المصدر الذي يشكل أكثر من 90% من الموازنة العراقية.
إن فشل التحرك البعثي المشبوه عام 2011، وانكشاف أمره أمام جمهور الشعب العراقي، أدى إلى يأس هؤلاء البعثين المجرمين وتوجههم إلى ما يسمى بتنظيم القاعدة في العراق، واتفقوا معهم على العبث بأمن العراق، وسيادة أراضيه لتتحول هذه التحركات الشيطانية إلى مأساة احتلال محافظة الموصل الحبيبة في العاشر من يونيو عام 2014، وما تلاه من السيطرة على أجزاء من محافظات صلاح الدين، والأنبار، وديالي حتى وصلت نسبة الأراضي المحتلة من تنظيم "داعش"، الإرهابي في شهر أغسطس 2014 إلى نحو 35% من الأراضي العراقية، وإعلان دولة الخلافة الإرهابية بقيادة المجرم أبوبكر البغدادي ليعيد بذلك إحياء الحلم الذي سقط في مصر في قبل عام على يد ثوار 30 يونيو 2013.
اليوم، وبعد مرور أكثر من عام ونصف على إعلان دولة الخلافة الداعشية، استطاعت القوات المسلحة العراقية في مختلف فصائلها استعادة أكثر من 70% من الأراضي التي سيطر عليها "داعش"، أما فلول البعث، وثوار المنصات في الرمادي الذين هتفوا بالزحف على بغداد، وكانوا أول من هرب من الرمادي عند دخول "داعش"، إليها، فكل هؤلاء قد اختفوا من المشهد لأن الشعب رفضهم، ولم يتقبل دعواتهم الطائفية التي تضرب وحدة العراق، وشعبه، الذي أقسم على البقاء موحدا، عابرا بوطنيته وحبه للعراق كل حدود وحواجز الطائفية والقومية والمذهبية، فالعراق الواحد القوي هو الهدف، وهو الذي نسعى إليه كعراقيين بعد أن ننتهي من القضاء على دولة الإجرام "الداعشية"، ونخلص العالم من شرورها، فنحن نقاتل نيابة عن العالم، ونحن قادرون بمشيئة الله وقوته على دحر هذا التنظيم الإجرامي، واستئصال جذوره حتى يعم الـمن والسلام دول العالم.
الدكتور محمد تركي أبوكلل ممثل كتلة المواطن البرلمانية العراقية في ج.م.ع.