جمال الغيطانى يكتب لـ"الوطن": التوثيق فى مواجهة الإفك
مساء الأربعاء الخامس من ديسمبر أصبح من الضرورى الإشارة إلى التوقيت الذى نكتب فيه كلماتنا، فنحن فى واقع يتطور بسرعة تذكرنى للأسف بزمن الحرب، ولكن شتان بين حرب شهدتها ضد إسرائيل، وحرب بين أبناء الشعب المصرى، وهذا حدث نادر لم يقع فى أحط مراحل تاريخنا القديم والحديث، صباح اليوم الأربعاء استيقظت لأجد هاتفى المحمول ممتلئاً برسائل من شتى أنحاء العالم، من كتّاب وشخصيات عامة يهنئون بتحضر المصريين فى تحركهم يوم الثلاثاء الذى أعاد إلى ذاكرتنا مشاهد مجيدة من فترات مختلفة منذ الحملة الفرنسية وحتى العصر الحديث، غير أن الأحداث فى بر مصر صباح اليوم تتخذ منعطفاً خطيراً يدفع بالوطن إلى حرب مدمرة بين أبنائه، لقد اتخذ بعض قيادات الإخوان قراراً بدفع أفراد الجماعة المدربين عسكرياً إلى الهجوم على المعتصمين من المظاهرة السليمة وجرى ما جرى.
إن دفع هذه المجموعات قرار خاطئ ويمكن استنتاج من اتخذه، بغض النظر عن دوافع هذه الهجمة وخطورة القرار الذى يعنى أن صوت التطرف داخل الجماعة تغلب على صوت العقل الذى أخلى الساحة من عناصر الإخوان من أمام المتظاهرين، إننى أطالب شباب الثورة المصرية والمراكز المتخصصة فى البحث والدراسات أن يبدأوا عملية توثيق دقيقة لكل خبر تضمن تحريضاً على المتظاهرين العزل وأى خبر عن اجتماعات سبقت هذه الأحداث المفجعة، سواء كانت هذه الأخبار على صفحات الصحف، أو فى المواقع الإلكترونية، أو فى الصحف العالمية، إن التعليقات المنشورة اليوم فى كبريات الصحف العالمية مهمة جداً أنبه إلى ذلك؛ لأنه فى قضية قتل الثوار التى حوكم فيها النظام السابق كان الكل يعرفون القتلة الحقيقيين، الذين ما زالوا أحراراً والسبب نقص الأدلة أو اختفاؤها عمداً، أثق أن كل مسئول عن إراقة دماء المصريين العزل سوف يمثل أمام المحكمة الجنائية إن آجلاً أو عاجلاً، عندئذ لا بد أن تكون الأدلة حاضرة، إن دماء المصريين ليست رخيصة ولا مستباحة بحيث يقوم الطرف الخفى بإهدارها فى تلك الحقبة، ثم يفلت سالماً ليظهر مرة أخرى وليقلب الأسود أبيض والأبيض أسود، التوثيق، التوثيق لكل ما يبدو مهماً وما يبدو غير مهم لكن له شأن.
الجمعة بعد الظهر
يدخل الواقع كله فى مجال اللامعقول، جنازة ضخمة لما أطلقت عليه الجماعة شهداء الإخوان فى معركة الاتحادية، ليس لدى إلا كلمة واحدة إنه الإفك كيف لجماعة تقرن نفسها بالإسلام أن تمارس هذا الكذب الصريح؟ السؤال: من هاجم من؟ من دخل بالخطوة العسكرية مردداً الأهازيج التى تذكرنا بعصابات القتل المنظم؟ هؤلاء المدججون هاجموا متظاهرين عزلاً من أى سلاح أثناء نومهم فهل إذا قُتل بعض المهاجمين لأسباب ما نعتبرهم شهداء؟ هذا مفهوم خاطئ للشهادة، إنه بداية عملية تزييف ضخمة للذاكرة التى لم يبلغ عمرها إلا ساعات فقط فما البال عندما تبلغ عدة سنوات؟ للأسف استُخدم الأزهر الشريف فى عملية الإفك الإخوانية، الأزهر منبر مهيب تاريخياً وطنى لم يستخدم يوماً لصالح فئة، وعندما كان الشهداء يشيعون منه كانوا شهداء المصريين كلهم ضد الاحتلال الأجنبى، بل إن شهداء الأمة من أبناء الجيش المصرى كانوا يشيعون من عمر مكرم، لماذا سمح لجماعة مختلف عليها بخروج قتلاها المعتدين من الأزهر؟ منذ إنشائه لم يعتل منبر الأزهر إلا زعماء البلاد لإعلان الجهاد ضد الغزاة سواء كانوا من المغول أو العثمانيين أو الفرنسيس أو الإنجليز، فهل يسمح باستخدام الأزهر فى عملية تضليل يتقدمها كبيرهم؟ ثم تتوالى المفاجآت؛ الصور التى تصدرت مشهد خطاب المرشد بينها شهداء المصريين الذين لم يمارسوا العنف، الذين هوجموا، مأساة كبرى أن يُراق دم أى مصرى، لكن تحديد المسئولية هنا مسألة بديهية فى ظل أكبر عملية تضليل تشهدها مصر فى تاريخها.
الأحد التاسع من ديسمبر
تختفى الدولة المصرية شيئاً فشيئاً فى مواجهة الزحف المنظم للميليشيات، الرئيس غائب، بأى صفة يتحدث الشاطر الذى يوصف بأنه كبيرهم، أيضاً محمد البلتاجى ذو الملامح القاسية؟ بل إننى استمعت إلى المتحدث باسم الحرية والعدالة وهو يهدد ويتوعد، الوجه الحقيقى للرئاسة يسفر عن نفسه، رئاسة تعمل للجماعة ولتمكينها، إنها جماعة تنفذ مشروعها تزيل الدولة تدريجياً، يدرك المصريون بوعيهم التاريخى ما يتهدد حيواتهم وهويتهم ومنظومة أمنهم؛ القضاء يُحاصر، الإعلام يُطارد، الشرطة تدافع عن حضورها التاريخى ورسالتها من خلال أفراد، ثمة شرطة أخرى لا يمكن مطاردتها أو محاسبتها تقوم بالقبض والتعذيب والقتل أيضاً، غضب الشعب عميق وألمه نبيل، للأسف القيادة المعبرة عنه أقل من المستوى، الاحتلال الإخوانى يجرى تمكينه على حساب تدمير الدولة، الجرائم تُرتكب علنا، أخطر ما يتم التعذيب والقتل، من هنا أهمية التوثيق، كل سطر له قيمة، كل لقطة، يوم قادم لا ريب فيه ستُجرى محاكمات لهؤلاء القتلة الجدد، الذين أخرجوا مصر عن سياقها الآمن.