رحل الحسينى أبوضيف لأنه كان يؤدى أبسط مهام الصحافة ألا وهى التوثيق، كان يوثق من مكان الحدث بالصورة ولكن البرابرة لا يتحملون الحقيقة يكرهونها، يعشقون الزيف والكذب ولذلك يكرهون الصورة، لذلك يتمنون للإعلام أن يصبح جثة هامدة، يحاصرونه حتى يخنقوه ويضربون أبوضيف بالخرطوش لأنه يمتلك العدسة التى ترصد بلا كذب أو زيف أو خداع وهم يريدون للجهل أن يسود وللكذب أن يتمكن من النخاع والأعصاب، أطلقوا الرصاص على المخ، هشموا الجمجمة لأنها هى مكان النور وهم خفافيش الظلام.
رأيت أنه من الواجب أن أتنحى اليوم فى هذه المساحة المتواضعة لاقتباس جزء من مقال للحسينى أبوضيف لتعرفوا من هو هذا الشاب الذى كان يعشق الفقراء ويعرف أن المشروع الإخوانى فى جوهره مشروع رأسمالى متوحش، يقول شهيد غزوة التتار المغتصبين لعقل مصر فى مقال بعنوان «مصر بين التيار الطائفى والتيار الشعبى»:
قامت ثورة 25 يناير لتطالب بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية وهى الاحتياجات التى سرقتها منهم عصابات المخلوع طوال ثلاثين عاما بعد أن مهد لها السادات بالارتماء فى أحضان الأمريكان وبعد تضحيات كبيرة دفعها الثوار وجدوا أنفسهم يستنشقون الغازات السامة فى مذابح شارعى محمد محمود ومنصور بدلا من الحرية وعندما اعترضت منظمة العفو الدولية على استخدام الغازات المحرمة دوليا قتل الثوار بالرصاص الحى فى مذبحة مجلس الوزراء وقتها أجبر الثوار عسكر مبارك على تقديم موعد انتخابات الرئاسة إلى شهر يوليو الماضى بدلا من إجرائها عام2013 وكان الطائفيون يتحالفون مع أعداء الثورة وعندما أجريت انتخابات الرئاسة أبرزت نتائج الجولة الأولى أن فى مصر تيارين كبيرين أولهما طائفى يدعى أنه الإسلام والطريق إلى الجنة يقسم مصر على أساس دينى والثانى تيار وطنى يعبر عن أصوات شعبية لتحقيق المطلب الجوهرى فى الثورة وهو العدالة الاجتماعية وهى الحقيقة الكبرى فى الثورة المصرية التى لا يريد لها الطائفيون أن ينادى بها أحد إذ إن أغلبية المصريين فقراء لا يشغلون أنفسهم بمدنية أو دينية الدولة بقدر ما يشغلون أنفسهم بحقوقهم الاقتصادية فى وطن جرى نهبه بصورة منظمة تحول فيه أغلب المصريين إلى رعايا لا مواطنين أحرار وسكان قبور وبعد انتهاء جولة الإعادة فى انتخابات الرئاسة التى تحالف فيها الثوار مع التيار الطائفى «الذى ارتدى مسوح الثورة» لإسقاط مرشح النهب المنظم لمصر تصرف الطائفيون بنفس منطق مبارك وهو أن مصر أصبحت عزبة يتصرفون فيها كما يشاءون.
وعندما دعا اليسار إلى مظاهرات ميدان طلعت حرب استجاب لها عشرات الآلاف من المصريين فتوجهوا إلى ميدان التحرير ضد إعادة منهج النهب المنظم، كانت روح مصر الحقيقية تقول بوضوح إن مصر ترفض طوارئ وقروض البنك الأمريكى التى حاول الطائفيون أن يمرروها لتعمل على تغييب المطلب الأساسى للثورة وهو العدالة الاجتماعية لذا لم يكن غريبا أن يحاول الطائفيون تأجيج فتنة الفيلم البذىء للتغطية على إعادة إنتاج نظام مبارك فى دعم الحيتان وإعدام الفقراء إلا أن النقد الأساسى الذى وجه لغير الطائفيين هو عدم تنظيمهم وأنه بالرغم من أغلبيتهم فإنهم ليسوا مثل الطائفيين المنظمين فكانت فكرة إنشاء تيار شعبى وطنى هى الرد المناسب والذى تم تأسيسه يوم الجمعة الماضى من ميدان عابدين بعد أن رفض الطائفيون إقامته فى الصالة المغطاة باستاد القاهرة بحجة عدم قدرة وزارة الداخلية على تأمين المؤتمر فى رسالة واضحة من التيار الشعبى أن الشعب الذى حضر وبقوة هو الذى يحمى ثورته وهو القائد والمعلم.
وأعتقد أن التيار الشعبى سيكسب أنصارا جددا كل يوم ﻷنه لا يمثل صيغة حزبية ضيقة قد تساوم أو تتنازل عن مبادئها وهو الدرس الذى أثبتته الحركات الاحتجاجية التى مهدت للثورة.
انتهى كلام الحسينى أبوضيف ولكن هل انتهى الثأر وهل ستنتهى الدموع عليه وعلى مصر؟