سألنى صديقى: مَن المسئول عن الملف السياسى فى مصر؟ فأجبتُ: لا أعرف، فقال: إذاً مَن يدير الشئون السياسية؟ أم تتفق مع ما قاله الوزير السابق منير عبدالنور بأن الأجهزة الأمنية تشغل الفراغ السياسى التى تتركها السلطة؟.. فأجبت: بالطبع.. ثم سألنى صديقى: مَن إذاً يدير ملف الإعلام؟ فأجبتُ: موزع دمه بين القبائل، لا يوجد «مايسترو» حقيقى، ورغم أن مؤسسات الدولة ممتلئة بمن يفتون فى الإعلام بلا دراسة أو ممارسة، لكن المؤكد أنه لا يوجد تنسيق بينهم.
للأسف الدولة تتعامل مع ملفَّى السياسة والإعلام باعتبارهما عبئاً وليسا إضافة، مع أن البلد يواجه مؤامرة وإرهاباً، والمؤكد أن الإعلام والسياسة أهم أدوات فى المواجهة، لكن الواقع يؤكد أن هناك حالة من السيولة، ولو تُرك الخيار لأصحاب السلطة لاقترحوا إلغاء السياسة وإغلاق القنوات والصحف، بدلاً من استثمارها فى تنشيط حالة الوعى، وبناء كوادر قادرة على الصمود فى الشارع، خاصة أن الإعلام والسياسة وسائل قوية وفعَّالة وسريعة لتحقيق التواصل مع رجل الشارع.
لقد انهزمت الدولة سياسياً وإعلامياً فى كثير من المعارك داخلياً وخارجياً، وما زالت، بل الأدهى أنها لا تتعلم من أخطائها، بينما يتفوق عليها معارضوها الذين لا يحققون أى إنجاز سوى بالكلام، والمتآمرون فى الخارج الذين يستغلون أدواتهم الإعلامية لضرب الدولة المصرية بينما تقف متفرجة وعاجزة بلا رؤية إعلامية أو سياسية، فهى لا تعرف مِن أدوات الإعلام سوى المنع وليس الإتاحة، ومن مفردات السياسة إلا «الطناش»، وليس الحوار.. وعندما تسأل مسئولاً فيحدثك عن أهمية أن يقوم السياسيون والإعلاميون بأدوارهم للدفاع عن الدولة، والسؤال الذى يفرض نفسه: هل مدَّهم أحدٌ بالمعلومات والخلفيات؟.. بالطبع لا.
الأزمات الداخلية المتتالية تحتاج إلى سياسة وإعلام مثل مشكلة نقابة الأطباء مع وزارة الداخلية، وأزمة الألتراس، وإدارة البرلمان، بالإضافة إلى الأزمات الخارجية مثل مقتل الشاب الإيطالى «ريجينى»، وقبلها الطائرة الروسية، وغيرهما من الحملات الموجهة من صحف بعينها، مثل «نيويورك تايمز» و«الجارديان»، ومؤسسات أخرى مثل «هيومان رايتس ووتش»، التى اعتادت انتهاك الدولة المصرية بلا رادع أو مواجهة أو توعية الرأى العام الداخلى بالمخاطر الحقيقية.
الدولة التى أنجزت وحفرت «قناة السويس الجديدة» فى عام فشلت فى إنشاء قناة تليفزيونية تخاطب العالم، لتدافع عنها وتسوّق مواقفها، بل الأدهى أنها حتى الآن لا تستثمر الإعلام العام أو حتى الخاص بصورة مثالية.. هى فقط تشكو حتى وصلت الأمور إلى حالة من اللاوعى والشوشرة لا تتناسب مع ما تواجهه من مؤامرات، بل تفتقد منظومة إعلامية قوية ونظيفة، حتى أصبح الخطاب الرائج عبارة عن عفاريت وسب وقذف ومشاهد جنسية، مما يمثل اختراقاً واضحاً لقيم المجتمع التى من المفترض أن تحميها الدولة، لكنها وقفت كالمتفرج.
الحكومة ليس بها وزراء سياسيون، حتى وزير شئون مجلس النواب المستشار مجدى العجاتى رجل قانون وليس سياسة، أما معظم وزراء الحكومة فى كل الملفات السياسية بل والإعلامية «شاهد ما شفش حاجة».. والأحزاب حدِّث بلا حرج.. والنواب وائتلاف دعم مصر دخلوا معارك «عبيطة».. وحالة السيولة تسيطر على المشهد السياسى بقوة بلا رابط أو مسئول يمكن أن تلجأ إليه الناس فى الأزمات.
لقد فعل الرئيس «السيسى» الصعب من خلال إنجازات حقيقية على الأرض، لكنه أخفق فيما هو أسهل: إدارة الملفات السياسية والإعلامية. وإذا كان الرئيس قد تناول فى خطاباته الأخيرة كلمة «ازرعوا الأمل» كثيراً، فإنه يجب أن يعلم عدم وجود أدوات حقيقية للقضاء على الإحباط وزرع الأمل إلا بالاهتمام بالسياسة والإعلام، لأنهما قناتا المرور إلى عقول وقلوب الناس لا أن نتركهما دون مسئولين، وبالتالى الوقت يمر، والتراجع هو سيد الموقف، والدولة تتوهم أنها تفعل كل ما فى وسعها، لكن الحقيقة الساطعة أن المشاكل تتفاقم، والمسئولية تائهة، ومن يتولونها يمارسونها فى أوقات الفراغ.