خالد يوسف ناعيا "هيكل": "رحل حزينا وهو يرى وطنه تغيب فيه الرؤية وتحتار فيه البوصلة"
لحظة وصول جثمان "الأستاذ هيكل" إلى مسجد "الحسين" لإقامة صلاة الجنازة
نعى المخرج السينمائي خالد يوسف، عضو مجلس النواب، الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، الذي وافته المنية اليوم، عن عمر ناهز الـ93 عامًا، خلال تدوينه له عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".
وقال يوسف: "يرحل الأستاذ ويأخذ معه عبق جزء عزيز من تاريخ مصر، يرحل ويأخذ معه قبسا من ضوء القمر الهادئ في صحراء يسيطر عليها ظلام دامس، يرحل أخذا معه شعاعا من نور الشمس التي نتدفئ بها في شتائنا الطويل، يرحل ويأخذ معه بعضا من ضل الشجر الأخضر الذي نحتمي فيه من أشعة الغباوة وضيق الأفق، يرحل أخذا معه فيضا من نهر النيل كنا نرتوي وننهل منه شرابا طهورا يغذي العقل ويثري الوجدان".
وأضاف: "يرحل ويأخذ معه حصنا من حصون الوطن التي كانت تحمينا من سهام الجهلة يرحل حزينا وهو يري وطنه تغيب فيه الرؤية وتحتار فيه البوصلة.. وترتبك فيه الأولويات ويختفي فيه الرشد السياسي ليحل محله ترسانة من الهواجس الأمنية التي تدير وتقود، يرحل مهموما وسط محاولات اخفات للصوت الذي ردده شعب مصر (أمة عربية واحدة تناضل من أجل نفس الهدف ويهددها نفس الخطر وينتظرها نفس المصير)".
وتابع : "كان هو أحد أهم رموز هذا الصوت وأعظم من كرس له عبر عقود وكان أمينا عليه وحافظا له وناقلا له لأجيال وراء أجيال، يرحل مستاء وهو يرى وطنه شاخص ومتيقظ ومستنفر إلى عدو غير عدوه، يرحل بعد أن بح صوته محذرا أن عدونا ليس في الجنوب الثائر (حوثيين اليمن) ولا الإقليم الشمالي (نظام الأسد في سوريا) إنما يقبع في البوابة الشرقية مسرورا ومنتشيا مما نصنعه بأنفسنا في أنفسنا، يرحل كمدا وهو يري أمته وقد استبد بها الجنون وتموج بصراعات طائفية ومذهبية عقيمة".
وواصل: "يرحل وهو ممتعض مما يرى من تحول دينه لرمز للإرهاب والعنف والتشدد بعدما كان رمزا للسماحة والمحبة والسلام، يرحل مغموما من تفضيل بعض أبناء الوطن الانتماء لتنظيم إرهابي يقتل ويدمر ويرهب على انتمائهم لوطنهم وشعبهم، يرحل وهو مشدوه من تحول دور مصر التنويري وإثرائها للحضارة الإنسانية إلي مصر المصدرة لأفكار التطرف والجهالة والتخلف وبعض أصحاب الرأي وراء الأسوار ".
وأضاف: "يرحل مندهشا وهو شاهد على تحول بلاد منابع النيل وبلاد عربية شقيقة من دول ترى في مصر القائدة والمعلمة وصاحبة الأفضال إلى دولة صغيرة يتنافس معها هؤلاء الصغار بل ويضيقوا عليها منافذ الحياة ومنهم من يطرح نفسه بديلا عن دورها القائد وتأثيرها الهائل، يرحل غاضبا على تعالي الأصوات الكافرة بثورة شعبه ونضاله من اجل الحرية والكرامة والعدالة والاستقلال الوطني والدولة المدنية الديمقراطية الحديثة بينما المؤمنين بها يضيق عليهم وبعض منهم محبوسا أو مذموما أو مشهرا به".
وواصل: "يرحل محسورا بأنه لم يرى شعبه حتى الآن وهو يذوق ثمار صبره وثورته ويأخذ تعويضا لمعاناته ويسترد حقوقه المسلوبة، يرحل محاولا أن يغض النظر حتى لا يشاهد حالة الفوضى الإعلامية الغير مسبوقة وتحول الإعلام إلى ضجيج بلا طحن وعندما تحاصره المشاهد المؤسفة يرحل معترضا على انتهاك القواعد المهنية ولمنظومة قيم آمن بها وأرسى مبادئها".
واختتم: "هل لنا أن نحلم بأن يجيئ اليوم الذي نكافئ روحه الهائمة هو وآلاف المخلصين الذين رحلوا ونحقق لهم ولنا الحلم في الوطن الذي يليق بنا وبتاريخنا وبإسهامنا الحضاري، مازال لدي أمل يا أستاذ هيكل وأرجو ألا أكون واهما".
يذكر أن هيكل أحد أشهر الصحفيين المصريين والعرب في القرن العشرين، وساهم في صياغة السياسة في مصر منذ فترة الملك فاروق حتى الآن، وتدرج في المناصب فتولى رئاسة تحرير "الأهرام" في 1957، ثم عين في 1970 وزيرا للإعلام، وأصدر عشرات المؤلفات، ووصفه البعض بـ"مؤرخ التاريخ العربي الحديث"، خاصة تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وتوفي عن عمر ناهز 93 عاما.