فى حين تظهر نتائج سبت الاستفتاء الأول (مقارنة باستفتاء 2011) تنامى الوعى الشعبى بجوهر الديمقراطية المتمثل فى ضمانات الحقوق والحريات وتراجع تأثير الاتجار بالدين وخطاب الاستقرار المزعوم على تفضيلات الناخبات والناخبين، يبدو المشهد المجتمعى والسياسى العام شديد الخطورة.
فمؤسسات الدولة وسلطاتها تتصارع، السلطة القضائية فى مواجهة السلطة التنفيذية. ومظاهر العنف وعسكرة الحياة العامة فى تصاعد تعجز أجهزة الدولة عن مواجهته، من اعتداءات قاتلة على معتصمى الاتحادية وحرق لمقار الأحزاب والجماعات ومواجهات دامية فى محيط دور عبادة إلى حصار الترويع أمام المحكمة الدستورية العليا ولفترة أمام مدينة الإنتاج الإعلامى. وكل من خطر الانفلات الأمنى فى سيناء واحتمالية تصدير الإرهاب الذى تمارسه خلايا عنفية استوطنت بعض مناطقها إلى بقية الوطن حاضران بقوة. والأوضاع الاقتصادية تتدهور دافعة مصر إلى منحدر الإفلاس والعجز، وأنين واحتجاجات قطاعات شعبية واسعة من شظف المعيشة يصم الآذان. والتوافق الوطنى والشعبى بشأن الدستور، الذى نستفتى عليه فى ظل إشراف قضائى غير مكتمل وشكوك متبادلة بين القوى السياسية، غائب كما تثبت نتائج نعم ولا المتقاربة.
لا يمكن لعين الباحث تجاهل أن مجمل هذه الأزمات السياسية والمجتمعية يشير إلى أن مصر تنزلق بسرعة بالغة على منحدر الدول الفاشلة، ولا يمكن بضمير وطنى مخلص تجاهل مسئولية كافة أطراف الحياة السياسية فى الحكم والمعارضة عما نحن به الآن. ما العمل إذن؟ أطرح فيما يلى ست نقاط فى مبادرة (قابلة بالقطع للتعديل وللتغيير) لاحتواء خطر المزيد من الانزلاق والتأزم وإعادة مصر إلى مسار انتقال ديمقراطى سلمى:
1. يقرر رئيس الجمهورية، بمقتضى السلطات الانتقالية المخولة له، تأجيل المرحلة الثانية من الاستفتاء على الدستور ويفتح الباب أمام إعادة مرحلته الأولى. وفى المقابل تلتزم كافة أطراف الحياة السياسية بعدم الطعن على دستورية القرار أمام المحكمة الدستورية العليا لتجنيب البلاد خطر الغياب التام لشرعية الحكم. كما تعلن كافة الأطراف قبولها لاستمرار رئيس الجمهورية فى منصبه إلى حين انتهاء الفترة الرئاسية كاملة.
2. يدعو الرئيس إلى جلسات تفاوض وطنى بشأن الدستور والاستفتاء عليه دون شروط سياسية مسبقة وبسقف زمنى محدد لا يتجاوز أسبوعين وبمشاركات ومشاركين لا يزيد عددهم على 20، وهو ما قد يمكن القوى الوطنية المتحاورة من أحزاب الإسلام السياسى إلى الليبراليين من الوصول إلى توافقات بشأن تعديل مشروع الدستور وضمانات النزاهة والشفافية المرتبطة بالاستفتاء عليه.
3. أثناء جلسات التفاوض، تلتزم كافة الأطراف السياسية بإنهاء الاعتصامات أمام الاتحادية والمحكمة الدستورية العليا وغيرهما من المؤسسات، وبوقف حملات التصعيد المتبادلة إعلامياً وشعبياً. كما تتوجه الأطراف السياسية بنداء للمواطنات وللمواطنين فى مصر بالابتعاد عن مظاهر العنف المختلفة وإعطاء فرصة للتفاوض كى ينتج توافقات حقيقية.
4. بعد انقضاء أسبوعين، تعلن نتائج جلسات التفاوض الوطنى على الرأى العام والتى (نظرياً) قد تشمل تعديل مشروع الدستور وإعادة الاستفتاء عليه فى ظل إشراف قضائى كامل (وهو ما أفضله وتفضله التيارات الليبرالية) أو إجراء المرحلة الثانية من الاستفتاء والاتفاق على آليات ملزمة وليست اختيارية لتعديل الدستور بعد الانتخابات البرلمانية (وهو ما تبدو أحزاب الإسلام
السياسى أكثر تقبلاً له) أو أى حل هجين آخر يخرج عن التفاوض الوطنى.
5. يعلن رئيس الجمهورية التزامه بنتائج التفاوض الوطنى ويعتمدها بمقتضى السلطات الانتقالية المخولة له، ومجدداً تلتزم كافة الأطراف السياسية بعدم الطعن على دستوريتها وتدعو الشعب لتأييدها.
6. يتقدم رئيس الجمهورية وكذلك رموز المعارضة باعتذار علنى للشعب المصرى عن سوء إدارة الأشهر الماضية ويتعهدون بالتعاون البناء لإخراج الوطن من أزمته والعمل بجدية على تحسين الظروف المعيشية ومواجهة خطر الانفلات الأمنى.