«الوطن» ترصد تفاصيل 10 ساعات من الاحتجاج حتى رحيل النائب العام
«ارحل.. امشى.. ارحل» ظلت هذه الكلمات ومرادفاتها تتردد فى جنبات دار القضاء العالى على مدار 10 ساعات متصلة بلا كلل ولا ملل.
مطالب المئات من أعضاء النيابة العامة برحيل النائب العام المستشار طلعت إبراهيم اختصرتها حناجرهم فى هذه الكلمات حتى انتصرت إرادتهم على قرارات الرئاسة والإعلان الدستورى، وأعلن النائب العام استقالته فى كلمات موجزة لخصت هى الأخرى ثقل العبء وفداحة القرار.[Quote_1]
«الوطن» رصدت تفاصيل الساعات العشر التى بدأت باجتماع مع المستشار محمد ممتاز متولى فى قاعة عبدالعزيز باشا فهمى، وانتهت باجتماع وفد من أعضاء النيابة مع المستشار طلعت عبدالله استمر قرابة 7 ساعات متواصلة حتى تقديم الاستقالة.
فى الساعة الحادية عشرة صباح يوم أمس الأول الاثنين توافد المئات من أعضاء النيابة العامة إلى نادى القضاة وانتظروا قرابة الساعتين حتى تجمعوا من المحافظات واتفقوا على قول واحد «إقالة المستشار طلعت عبدالله النائب العام لعدم شرعيته».
فى تمام الساعة الواحدة ظهراً توجهوا إلى محكمة دار القضاء العالى، وذلك بعد أن بلغ عددهم قرابة 1500 عضو من أعضاء النيابة، فى وقفة احتجاجية لمدة 15 دقيقة مطالبين بعزل النائب العام، ثم طلبوا مقابلته إلا أنه رفض، فتوجه إليهم المستشار محمد ممتاز متولى رئيس مجلس القضاء الأعلى واجتمع بهم داخل قاعة عبدالعزيز باشا فهمى قرابة نصف ساعة طالب خلالها أعضاء النيابة بعزل النائب العام إلا أن المستشار ممتاز رفض قائلاً لهم: «أنا والله ماقدرش اعزله، ده واحد جالى بقرار من رئيس الجمهورية بتعيينه نائباً عاماً»، ما أثار غضب الحاضرين وقالوا له: «يعنى هو عجب حضرتك الطريقة اللى تم بها عزل المستشار عبدالمجيد محمود؟».
دقت الساعة الثانية ظهراً، وصعد المستشار ممتاز وبصحبته الوفد الممثل عن النيابة العامة والمستشار عادل السعيد رئيس المكتب الفنى للنيابة العامة، وطلب الوفد من المستشار طلعت الخروج من مكتبه والنزول إلى قاعة عبدالعزيز باشا فهمى، إلا أن المستشار طلعت رفض الخروج وطلب من الوفد التحاور معه داخل مكتبه والاستماع لمطالبهم.
فى الساعة الثانية والربع أخبر الوفد أعضاء النيابة بطلب المستشار طلعت، ووافقوا على إجراء الحوار داخل المكتب وهمس بعضهم البعض قائلين: «يعنى هو هيخوّفنا.. لازم يمشى علشان دى مش دولة إخوان.. المستشار طلعت مش نائب عام عند المرشد، إحنا هنا لحد ما يمشى».
وكانت الساعة الثالثة عصراً هى ساعة الحساب كما أطلق عليها البعض من أعضاء النيابة العامة «قاصدين بذلك حساب المستشار طلعت عبدالله» على توليه هذا المنصب من خلال إعلان دستورى «مخالف وتعدى على السلطة القضائية» وبطريقة غير شرعية.
وبدأ الاجتماع حوالى الساعة الثالثة والربع، وحضر وفد النيابة العامة الذى ضم كلاً من المستشار شادى خليفة عضو مجلس إدارة نادى القضاة والمستشار محمد حبكة عضو مجلس نادى القضاة بالإسكندرية والمستشار كريم الصفطى عضو مجلس إدارة نادى القضاة من المنيا والمستشار أحمد عبدالفتاح مدير نيابة بلقاس، وكان داخل مكتب المستشار طلعت عبدالله المستشاران أحمد سليمان رئيس نادى قضاة المنيا والمستشار حسن ياسين لحضور الاجتماع، وبدأ وفد النيابة العامة بالحديث عن الطريقة التى عُين بها المستشار طلعت فرد عليهم النائب العام: انتم مش بتمثلوا أعضاء النيابة العامة على مستوى الجمهورية، وانتم قلة مندسة ليس لكم أى تاثير».[Quote_2]
وبدأ الحوار من جديد فى تمام الساعة الرابعة بسؤال وفد النيابة العامة له عن الطريقة التى تم تعينه بها وعن الإعلان الدستورى وعن دخول المكتب الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وسط جماعة الإخوان المسلمين، فرد عليهم المستشار طلعت قائلاً: «أنا شخصياً معترض على الإعلان الدستورى لأن به انتهاكات للسطلة القضائية»، وأضاف عبدالله أنه معترض على الطريقة التى تم بها عزل المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام السابق، قائلاً إنه يكن كل تقدير واحترام وإنه مستاء من تلك الطريقة.. وتحفّظ على الرد عن دخوله المكتب وسط احتفالية من جماعة الإخوان المسلمين.. انتظر المستشار عبدالله قليلاً وقال إن هذه المرحلة هى مرحلة انتقالية وإنه كان مضطراً لقبول المنصب دون أن يبرر أسباب هذا الاضطرار.
وفى الساعة الخامسة والربع احتشد ما يقرب من 1500 عضو من أعضاء النيابة العامة أمام مكتب النائب العام وقالوا بصوت عالٍ: «إحنا مش هنمشى من هنا إلا إذا مطالبنا اتحققت»، وهمس البعض للبعض الآخر: «والله احنا بندافع عن استقلال القضاء مش شغالين عند حد ولا حزب معين وده نائب عام غير شرعى يبقى لازم يمشى»، مما دفع المستشارين الموجودين داخل مكتب النائب العام للتهدئة وإعادة الحوار مرة أخرى مع وفد النيابة، وبدأ أعضاء الوفد فى طرح مطالبهم، وتطرقوا إلى تفاصيل نقل المستشار مصطفى خاطر المحامى العام الأول لنيابات شرق القاهرة وإعادته مرة أخرى، وقيام جماعة الإخوان المسلمين بالقبض على عدد من المتظاهرين فى أحداث الاتحادية وتعذيبهم.
وفى الساعة السادسة مساء كرر وفد النيابة مطلب الأعضاء بتقديم النائب العام استقالته للقضاء الأعلى لعدم شرعيته، رفض المستشار عبدالله وقال لهم: «بعد نتيجة الاستفاء أنا هافكر»، مما دفع عدداً من أعضاء الوفد للانسحاب والخروج إلى زملائهم وأخبروهم بإصرار المستشار عبدالله على التمسك بموقفه: «يعنى لو الاستفتاء انتهى بنعم للدستور سوف يفكر فى التقدم بطلب إلى القضاء الأعلى لتقديم الاستقالة، ولو الاستفتاء انتهى بلا يستمر فى المنصب لمدة عام لأن هذه المرحلة مرحلة انتقالية نظراً للظروف التى تمر بها البلاد».
دفع هذا الرد أعضاء النيابة العامة لمحاصرة المكتب وإعلان اعتصامهم أمام المكتب لحين الموافقة على مطالبهم، واحتشدوا وردوا هتافات «ارحل.. امشى.. يا سيادة المستشار امشى باحترام».
اقتربت عقارب الساعة من الثامنة و45 دقيقة.. يخرج من مكتبه المستشار طلعت عبدالله النائب العام ويفاجأ بهتافات من أعضاء النيابة «ارحل.. امشى.. يا سيادة المستشار امشى باحترام».. دخل المستشار عبدالله إلى مكتبه وطلب من المستشار عادل السعيد أن يحضر له وفد أعضاء النيابة، وعندما حضروا قال لهم إنه سوف يتقدم باستقالته بعد الاستفتاء، قالوا له: ما الضمان؟ اكتب الاستقالة الآن وقدمها لأمانة المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما تم.
أحضر المستشار طلعت ورقة وقلماً وكتب استقالته.
الساعة التاسعة والنصف مساء، أعلن المستشار عادل السعيد رئيس المكتب الفنى للنائب العام بياناً على أعضاء النيابة العامة المعتصمين تضمن إعلان المستشار طلعت عبدالله استقالته.