بعد 14 عاما على إعدام الرئيس العراقي صدام حسين، في 30 ديسمبر عام 2006، «الوطن» فتحت خزائن أسرار جون نيكسون المحلل السياسي لدى المخابرات الأمريكية، حيث تحدث عن رحلة القبض على الرئيس العراقي الأسبق، وعن اختبائه والقبض عليه، وكواليس التحقيق معه وقتل نجليه قصي وعدي، كما كشف خلال التحقيقات أسباب حروبه ضد إيران والكويت في فترة الثمانينيات والتسعينيات.
بدأت العمل هناك في عام 1998، حيث كنت محللا للشؤون العراقية، جاء اختياري لأنني كان لدي دراسات وأبحاث عن الشرق الأوسط خلال دراستي بالجامعة، كما أنني كنت مهتما بتاريخ الشخصيات، كما حصلت على بعض التدريب في علم النفس خلال دراستي بالجامعة، كل ذلك كان سببا لوضعي في موضع قيادي تحليلي في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
خلال التحاقي عملت بجد لأثبت أنني على قدر كبير من الاحترافية في هذا المجال، وكان حينها ملف العراق يحتل أولوية كبيرة عند رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وعرفت أننى سأقوم بالكتابة والتحليل كثيرا خلال فترة عمل
كانت دراساتي العليا عن صدام حسين، وحرب الخليج الأولى، وذلك كان في جامعة جورج تاون ومقرها واشنطن العاصمة، لقد كنت مفتونًا بتاريخه الشخصي وتاريخ نظامه، وتلك أحد الأسباب التي دفعتهم لاختياري في ذلك المنصب.
أول ما فعلته بعد دخولي وكالة المخابرات الأمريكية هو مراجعة ملف الرئيس السابق صدام حسين، إذ كان كبيرا جدا، وبعد العديد من الأوراق والتقارير والمقالات ترجع إلى عقود ماضية، كذلك درست سيرته الذاتية
ووجدت صعوبة في إيجاد الكتب التي تحكي عنه وطريقة حكمه قبل عام 1999، إلا أنه بعد ذلك التاريخ خرجت العديد من الكتب التي بدأت في الحديث معه، والتي كانت أحد مصادر المعلومات حول الرئيس العراقي السابق.
أثناء تفجير البرجين كنت في المقر الرئيس في CIA، أول ما فكرت فيه أنه هو المسؤول عن ذلك، وما دفعني لهذا التخمين أنه كان هناك اتصالات بين رجال حكومته وبعض رجال أسامة بن لادن، ولكنها في الحقيقة لم تسفر عن شيء، كما أنه قبل عام رصدت التقارير عن إجراء المخابرات والأمن السري العراقي تدريبات عسكرية بطائرات مدنية، ولكن زميلتي المسؤول عن القاعدة، قالت لي لا هذا "بن لادن"، فكان هناك عدة تقارير ترصد أنه سيقوم بذلك.
بعد حادث التفجير بدأت القيادات في البيت الأبيض والبنتاجون في طلب الروابط بين صدام حسين ومجموعة بن لادن، كما طلب مننا عدد المرات التي هدد فيها البيت الأبيض في تصريحاته، وما هي علاقته بتنظيم القاعدة، لتتغير مع ذلك اليوم وجهة النظر له.
هذا شيء حير صدام حسين نفسه، ولكنه لم يعلم يفهم أين سارت الأمور مع الولايات المتحدة، أعتقد أنها بدأت في التدهور عندما أدرك أن الولايات المتحدة الأحاديث السرية التي كانت بين العراق وإيران، كذلك عمليات تزويدها بالصواريخ في منتصف الثمانينيات، والتي رصدتها واشنطن في عدة تقارير
هذا شيء حير صدام حسين نفسه، ولكنه لم يعلم يفهم أين سارت الأمور مع الولايات المتحدة، أعتقد أنها بدأت في التدهور عندما أدرك أن الولايات المتحدة الأحاديث السرية التي كانت بين العراق وإيران، كذلك عمليات تزويدها بالصواريخ في منتصف الثمانينيات، والتي رصدتها واشنطن في عدة تقارير
لم نكن نتخيل انهيار الجيش العراقي واختفاءه بهذه الصورة، توقعنا مقاومة وتصديا، وكنا نستعد للتعامل مع أي اعتراض بشكل حاسم، الأمر المثير أنه عندما جاء وقت الدفاع عن العراق لم تكن هناك خطة "كانت الخطة عدم وجود خطة"، من الممكن أن صدام أراد أن يذوب وسط الصفوف ربما اعتقادا منه أنه يريد تدخل الأمم المتحدة أو غيرها من القوى الدولية، وتلك كانت مشكلته أن قراءته للوضع الدولي كانت دائما خاطئة.
عقب الدخول الأمريكي للعراق، قرر صدام الاختفاء، حيث ركب سيارته مع سائقه "سمير"، وابنيه، وغادروا المكان، وذلك بعدما عبروا ثلاث نقاط تفتيش للجيش للخروج من بغداد، وهناك قصة طريفة خلال هروبه، حيث طلب سائق صدام من سيدة مسنة أن يبيت عندها الرئيس هذه الليلة فقالت له "الوقت متأخر، قل له لا، اذهبوا لمكان آخر".
بعد حدوث تفجيرات وعمليات تفتيش موسعة من الجيش الأمريكي، قرر صدام التوجه إلى منطقة تكريت، حيث أقام هناك عند أحد المنتفعين من حكمه، وظل مقيما عنده حتى قبض عليه هناك.
بعد اختفاء صدام حسين، ظهر في أحد مقاطع الفيديو وهو يحيي جماهيره، وجرى تتبع سائقه "سمير" الذي ظهر في المقطع وهو يقود السيارة، ووضع في سجن أبو غريب، وحققت معه، وادعى أنه لا يعلم مكانه وأنه أوصله لمكان قريب وكان عائدا له لكن تم القبض عليه، واتضح بعد ذلك أنه كان يعلم مكانه وكان مخلصا لصدام حسين بدرجة كبيرة، كما أنه كان كاذبا ماهرا، فكان ينجح في اختبارات أجهزة كشف الكذب، فلم تكن تقنع الإغراءات المالية البالغ قدرها 25 مليون دولار أو الوعود بمساعدته توفير ما يطلبه للسائق سمير للإبلاغ عن مكان صدام، فكان يحبه جدا ويخشاه، زاد من صعوبة صدام، أنه قام بحركة ذكية، إذ أقدم على تغيير كافة حراسه الشخصيين الذين كان يعرفهم الـcia، ويعلم كل شيء عنهم، فاضطررنا إلى البحث وعمل ملفات وتقارير جديدة للوصول إلى صدام، حتى تم الوصول إلى إبراهيم عمر المسلط، الذي كان من عشيرته، ورفض في البداية الكشف عن مكان "صدام"، إلا أنه وافق في النهاية، وذلك لأن حراس الرئيس العراقي كانوا قد تعبوا من حمايته، وأردوا أن يعودوا إلى عيشتهم الطبيعية.
في تمام حوالي الساعة 8 مساء تحركت القوات الأمريكية لتنفيذ عملية القبض على صدام حسين برفقة "إبراهيم مسلط" الذي كان من عشيرته وكان مختبا في إحدى الحفرات في الأرض
أعتقد أن ذلك بسبب وجود أمل بين قادة التحالف الذين يقاتلون في العراق في أن يؤدي إظهار صدام بعد أسره إلى قيام المتمردين بإلقاء أسلحتهم والتوقف عن محاولة قتل جنود التحالف.
بعدما قبض عليه، طلب مني رؤسائي التعرف عليه، فكان هناك اعتقاد أنه لديه الكثير من البدلاء لاستخدامهم وقت الحاجة، رغم أنه تم إرسال عينة من حمضه النووي إلى ألمانيا لتحليها والتأكد من أنه هو، إلا أنني تحركت على الفور لأنه المخابرات المركزية الأمريكية كانت بحاجة إلى رد حاسم في أسرع وقت لإبلاغ الرئيس الأمريكي.
بدأت التحقيقات مع صدام حسين في 20 ديسمبر من نفس عام القبض عليه، وعقدت في مكان يسمى موقع التحقيقات في مبنى مطار بغداد، فور أن دخلنا عليه كان له حضور طاغٍ، وسلم علينا مع ابتسامة وسألنا كيف حالكم بلغة إنجليزية ليست جيدة.
قاما بشيء في غاية الغباء، إذ تحصنا في بيت شيخ في الموصل، كان على علاقة قريبة بالأسرة، وحصل منهما على بعض المال مقابل اختبائهما، وبالطبع وافق، وبقيا أسابيع طويلة حتى وصل الجيش الأمريكي إلى المدينة، وشعر الرجل بالقلق وطلب منهما المغادرة، إلا أن قصي قال له: "اخرس أعطيناك ما يكفي من المال".
فخرج الرجل من منزله وعبر الشارع في اتجاه الفرقة الرابعة الأمريكية، وقال لهم اسمعوا أنتم تبحثون عن بعض الأشخاص هم في منزلي ويرفضون المغادرة، وخلال اقتحام المنزل جرى قتلهما.
تحدثنا مع صدام لعدة أشهر، حتى قمنا بتسليم كتابة تقارير ونتائج التحقيقات وتم تسليمها، وبعد ذلك تولي مكتب التحقيقات الفيدرالي استخلاص المعلومات في فبراير 2004.
بعدما انتهيت من التحقيق واستكمل زميلي "بيل" المسيرة مع صدام، في آخر لقاء أردت أن أقوله له شيئا جيدا، فشكرته عن حديثه معي والمعلومات التاريخية التي كان يقولها، وعبرت له عن أسفي عن أننا التقينا في هذه الظروف وأنني ممتن للقائه.
وصافحني بقوة بيديه الاثنتين، وقال لي حين تعود إلى واشنطن وتمارس عملك تذكر أن هناك خاصية يجب أن يتمتع بها كل إنسان، وخاصة الذين يعملون في مهنتك هي العدل، يجب أن تكون عادلا، وأريدك أن تتسم دائما بعدلك.
نعم، كنت أقدم له بعض التقارير، وخلال اللقاء سألني من منكم استجوب صدام؟، فأخبرته أنني أول من استجوبه، وسألني أي من نوع من الرجال هو؟، فوصفت له من خلال لقائتي به.
وسأل بوش هل صدام كان يعلم أنه سيموت؟، قلت له نعم، لقد قالي لي ذلك في إحدى المرات وأن ضميره مرتاح، إلا أن الرئيس بوش قال لي إن صدام سيكون حسابه مع ربه عسيرا.
أصبت بالرعب، وتذكرت فجأة ما كان يقوله صدام حسين لي: "أعلم أن هذا سينتهي بموتي، ولن أخرج من هنا، وسأعدم في أي وقت، كل ما قمت به كان من أجل العراق، ولا أشعر بالذنب تجاه ربي".