تعتبر قضة الشاب "جاسبارد هوسير" الذي يقول إنه نشأ في عزلة وداخل زنزانة مظلمة من أكثر القصص التاريخية غرابة وغموض، وأثارت حكايته العديد من النقاش والجدل بين المؤرخين وهذا يرجع لأن حياة هذا الشاب ظلت سرًا حتى تم طعنه ووفاته في عام 1833.
ونستعرض حكاية هذا الشاب وفقًا لكتاب "أشهر الجرائم في التاريخ" للمؤلف أيمن الشربيني، تلك الحكاية التي شغلت العالم في العصر القديم وحتى الآن.
في صباح الإثنين الموافق 26 مايو 1828 ببلدة نورمبرج الألمانية التي تتميز بأناقتها، بدت الشوارع خالية فيما عدا من رجلين هما "ويكمان" و "بيك" وكانا يسيران بعد عودتهما من سهرة.
توقف "ويكمان" فجأة عند منعطف الطريق وهو يهمس برعب، "انظر بيك" أرأيت ما تراه عيني"، والواقع أن ما رآه ويكمان في وسط الميدان شابًا يبلغ من العمر نحو 16 عاما، يرتدي زي رمادي اللون ويمد يده اليسرى في الهواء بهيئة من يطلب العطف والإحسان من المارة.
ولاحظ ويكمان أن الشاب بيده اليسرى ورقة مطوية وكان الشاب الصغير يقف دون أي حركة مثل التمثال عيناه جاحظتان تنظران إلى الأمام ويخلوا وجهه من أي تعبير، واقترب الرجلان ولكن الشاب ظل ساكنا دون أي حركة فالتقط ويكمان الرسالة وفتحها فوجدها مكتوبة باللغة الألمانية ومدون فيها:
"السيد الكابتن القائد مع عظيم احترامي أبعث لك صبيًا يافعا يتميز بقدرته الفائقة على خدمة سيده بإخلاص، في 7 أكتوبر عام 1812 عهد إلى بتربية هذا الفتى ولكني لم أستطع الوفاء بهذا العهد بسبب فقري مع رجاء الإحاطة بأني لم أقم بتسجبل هذا الطفل في المحكمة".
وأخذ ويكمان الشاب إلى منزل النقيب "فون ويستنج"، وكان الشاب لا يقول كلمة سوى "أريد أن أصبح خيالاً، كما كان والدي" واقتيد إلى مركز الشرطة، حيث سجل اسمه: جاسبارد هوسير، وكان يجيب على أسئلة قليلة وبدت كلماته محدودة نوعاً ما.
قرأ النقيب "فون ويستنج" الخطاب الذي كان مع الشاب وكان وجهه عبوس وتمتم "ماذا تعني هذه الفكاهة السمجة؟" واستدعى اثنين من مساعديه وأمرهم بمصاحبة الشاب إلى البرج، وهو قلعة حصينة تقع بمنتصف البلدة ويرجع عمرها إلى العصور الوسطى.
استقر جاسبارد داخل القلعة لأيام طويلة وكان سجانه يستجوبه عن اسمه ومن أين أتى، وكان جاسبارد لا يرد فقدم له السجان ورقة وقلم وسعد بهما كثيرا وكتب في الورق اسمه "جاسبارد هوسير" وهذا يعني بأن جاسبارد كان قد تعلم القرأة والكتابة.
انتشر نبأ الفتى بسرعة وحظى بإهتمام جميع الناس واهتمت السلطات بهذا الموضوع المثير إلى أن قرر عمدة نورمبرج أن يتولى بنفسه مسئولية استجواب جاسبارد وتوصل إلى أن لدى الشاب ذاكرة ممتازة، وسريع التعلم، وقد زاره العديد من الناس الفضوليين وكانوا يشهدوا بسروره الواضح، وبأنه كان يرفض كل الأغذية باستثناء الخبز والماء.
افترض البعض في البداية أنه نشأ طفلا في الغابات، ولكن خلال العديد من المحادثات مع العمدة توصل الي أن كل ما يتذكره جاسبارد أنه قضى حياته وحيداً تماماً في زنزانة مظلمة طولها متران تقريبًا وعرضها متر واحد وارتفاعها متر ونصف مع سرير قش للنوم ولعبة حصان خشبي فقط.
وقال جاسبارد أنه كان يجد الخبز والماء إلى جانب سريره كل صباح، ومع الوقت يصبح الماء مر الطعم وشربه يسبب له النوم بدرجة أكبر من المعتاد، وكان أحيانا يستيقظ يجد أن القش تغير وشعره قد قـُص وأظافره مقلمة، وأضاف أن أول إنسان كان له معه اتصال كان رجلاً غامضًا زاره قبل الإفراج عنه بوقت ليس بالطويل، يحرص دائمًا على عدم الكشف عن وجهه.
وقال أن هذا الرجل هو من علمه أن يكتب اسمه من خلال قيادة يده، وبعده علمه كيفية الوقوف والمشي، وأُخذه إلى مدينة "نورمبرج"، وقال أيضا أن شخصا غريباً علمه أن يقول عبارة: "أريد أن أصبح خيالاً، كما كان والدي" وأكد أنه لم يكن يفهم ما الذي تعنيه تلك الكلمات.
وبدأ رئيس محكمة الاستئناف التحقيق في القضية، ووُضع جاسبارد في رعاية فريدريش داومر، البروفيسور والفيلسوف، والذي علمه موضوعات متعددة، واكتشف موهبته في الرسم، وفي السابع عشر من أكتوبر عام 1829، وُجد في قبو منزل وهو ينزف من جرح في جبهته.
وقال أنه أثناء جلوسه على المرحاض هاجمه رجل ملثم وجـرحه، كما هدده قائلاً: "مازال عليك أن تموت قبل أن تغادر مدينة نورمبرج".
وقال جاسبارد أنه يعتقد من خلال الصوت بأنه ذات الشخص الذي أتى به إلى نورمبرج، ودعا المسؤولون لتعيين حراسة شرطية ونقلوه إلى رعاية يوهان بيبرباخ، أحد مسؤولي البلدية. الهجوم الذي تعرض له الشاب زاد من الشائعات حول أصله المحتمل ويرى البعض أنه ألحق الجرح بنفسه بشفرة حلاقة، والتي أعادها بعد ذلك إلى غرفته قبل أن يذهب إلى القبو.
وفي 3 أبريل 1830، تعرض جاسبارد الى حادثة أخرى فقد أطلقت رصاصة مسدس بغرفته في منزل بيبرباخ، ودخل مرافقه الغرفة سريعا فوجده ينزف من جرح في الجانب الأيمن من رأسه، واستفاق جاسبارد بسرعة وذكر أنه صعد الكرسي للحصول على بعض الكتب، وسقط الكرسي وبينما كان يحاول التمسك بشيئ ما حرك بسرعة مسدسَا معلقاً على الحائط بطريق الخطأ، ما تسبب في إطلاق النار، وبدأت الشكوك بشأن عما إذا كان الجرح قد نجم في الواقع عن الطلقة أو مشاجرة سابقة، وأدت الحادثة بالسلطات البلدية لاتحاذ قرار آخر بشأن جاسبارد، الذي توترت علاقته مع آل بيبرباخ بعد أن كانت جيدة في البداية.
وفي مايو 1830، تم نقله إلى منزل البارون فون، ثم حصل جاسبارد اهتمام النبيل البريطاني اللورد ستانهوب بأمر وحصل على حق رعايته في أواخر عام 1831، وقد أنفق اللورد قدراً كبيراً من المال في محاولة لتوضيح أصل جاسبارد خصوصاً، قيامه بالدفع مقابل زيارتين إلى المجر، لأن جاسبارد بدى أنه تذكر بعض الكلمات المجرية.
أعلن ستانهوب لاحقاً الفشل الكامل لهذه التحقيقات وأدى به إلى الشك في مصداقية جاسبارد، ونقل إلى إلى أنسباخ، برعاية ناظر مدرسة يدعى يوهان جيورج وفي يناير 1832 ترك ستانهوب هاوزر إلى الأبد واستمر اللورد ستانهوب بدفع نفقات معيشة جاسبارد، بيد أنه لم يف بوعده بأخذه إلى انجلترا.
وفي أواخر عام 1832، أعطي جاسبارد وظيفة كناسخ في مكتب القانون المحلي، املًا أن يأخذه اللورد ستانهوب إلى انجلترا وكان مستاء كثيرًا من وضعه، وازداد تدهورًا بوفاة كفيله أنسيلم فون فيورباخ في مايو 1833.
وفي 14 ديسمبر 1833، عاد جاسبارد إلى المنزل بجرح عميق في صدره الأيسر، وقال أن غريبا استدرجه إلى حديقة بلاط أنسباخ وطعنه هناك، بينما كان يعطيه حقيبة، وعندما فتش الشرطي الحديقة، وجد حاوية من القماش بنفسجية صغيرة بها رسالة بالالمانية تقول: "جاسبارد سيكون قادراً على إخبارك بالضبط تمامًا كيف أبدو ومن أين أنا، لتوفير الجهد على جاسبارد، أريد إخبارك بنفسي من أين أنا" _ _". أنا من ..... الحدود البافارية ......على نهر....... وسأخبرك حتى بالاسم هو M. L. Ö. وتوفي جاسبارد متأثرًا بجرحه في 17 ديسمبر 1833.
تعليقات الفيسبوك