كتبت أكثر من مرة مؤكداً خطورة الاستعلاء على الاختيار الحر للمواطنات وللمواطنين حين يعبر عن نفسه فى صناديق الاقتراع وفى سياق استفتاءات وانتخابات، فالاختيار الحر هو عماد الديمقراطية، وحقوق المواطنة المتساوية تبدأ بالمساواة أمام الصندوق وكذلك أمام القانون، ولا يمكن لمن يؤمن بالديمقراطية أن يطالب بالتمييز أمام الصندوق بين المتعلم والأمى، والميسورة ومحدودة الدخل، والعامل والعاطل، فمثل هذا النهج يضرب الديمقراطية فى مقتل ويصنع مجتمعاً تتفاوت به أوزان المواطنات والمواطنين ويكرس الانقسام، ويمكن فى البلدان الفقيرة (كمصر) من سيطرة القلة (المتعلمة أو الميسورة أو العاملة) على الكثرة (الأمية أو محدودة الدخل أو العاطلة)، كذلك لا يمكن لمن يؤمن بالديمقراطية أن يرمى المواطن الذى تختلف اختياراته عنه بالجهل أو بغياب الوعى أو بالخضوع تحت تأثير السكر والزيت.
أسجل هذا، بعد أن تواترت فى أعقاب الاستفتاء على الدستور المشوه، تصريحات لمعارضين يجمعنى بهم الموقف السياسى يطالبون فيها بمنع غير المتعلمين من التصويت فى الاستفتاءات والانتخابات، وأخرى يدفعون بها بأن من صوَّت لـ«نعم» هم إما من الإسلاميين أو من الأميين أو أنهم تأثروا بتوزيع العطايا والمنح الانتخابية المعتادة (السكر والزيت) ووجه تصويتهم وفقاً لها. هنا أضع حواجز فاصلة وعازلة، وأدعو من يجمعنى معهم الموقف السياسى الواحد الساعى لإسقاط الدستور المشوه لإعادة النظر. موضوعياً ومعلوماتياً، غير صحيح أن التصويت بـ«نعم» فى استفتاء الدستور ارتبط بالقطاعات الشعبية الأمية ومحدودة الدخل فقط (راجعوا نتائج المحافظات المختلفة، على سبيل المثال لا تتجاوز نسبة الأمية بالوادى الجديد 10 بالمائة ونسبة الموافقة على الدستور تجاوزت 80 بالمائة)، غير موضوعى أيضاً الربط بعلاقات أحادية الاتجاه بين التعليم والدخل والعمل وبين الوعى السياسى الذى يعبر عن نفسه فى اختيارات الصندوق. غير منصف تعميم الحديث عن تأثير «السكر والزيت» ليتجاوز حالات موثقة (للجميع معرفة بوجودها) ويصبح صنو حالة مجتمعية افتراضية يتحول معها كل من صوَّت بـ«نعم» لمتلقى «سكر وزيت». غير ديمقراطى الجوهر المطالبة بمنع الأميين من التصويت أو بإعطاء أوزان نسبية لهم أقل من المواطن المتعلم.
نعم أثرت مقولات كالاستقرار وحماية الشريعة والربط بينها وبين «نعم للدستور» على اختيارات المواطن، ولم يكن بالربط هذا أمانة أو موضوعية بل تزييف للوعى وخلط للأوراق. وقد حاولت وغيرى مواجهة هذا بالكتابة والعمل الجماهيرى والإعلامى، وواجبنا أن نستمر فى عملنا وأن نثق أن وعى المواطن يرتفع مع كل صندوق اقتراع جديد. واجبنا أيضاً أن نستمر فى رفض الدستور المشوه والعمل على إسقاطه، ولكن دون استعلاء على من صوَّت له بـ«نعم»، فاحترام أصوات هؤلاء ضرورة ديمقراطية لا يمكن المساومة عليها، وإقناعهم بحججنا وأسباب رفضنا للدستور المشوه حتمى، إن نحن أردنا النجاح فى مهمتنا.
لأصدقاء الموقف السياسى الرافض للدستور، دعونا نثق فى الشعب المصرى ولا نساوم على مبادئ الديمقراطية ونعمل على رفع الوعى السياسى بجدية دون استعلاء.