لم يكن تراجع الدكتور البرادعى عن الترشح للرئاسة ولا استبعاد اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية للمهندس الشاطر والشيخ أبوإسماعيل مجرد تحولات مهمة فى السباق الرئاسى غيرت من خريطة المتنافسين وانتهى أثرها سريعاً.
فالمواطنات والمواطنون الذين كانوا سيذهبون لتأييد المتراجع أو أحد المستبعدين ما زالوا إلى اليوم يبحثون عن مرشح بديل ويتعثرون فى بحثهم هذا ويتأرجحون بوضوح بين أكثر من بديل محتمل. نعم قلل تراجع البرادعى واستبعاد الشاطر وأبوإسماعيل من تعقد خريطة المتنافسين على الرئاسة، إلا أن خريطة الناخبين ازدادت صعوبة بإضافة كتل تصويتية ليست بالصغيرة إلى خانة الناخبين المتأرجحين الذين لن نعلم لمن سيصوتون، وإن كانوا سيصوتون يوم إجراء الانتخابات الرئاسية.
الدكتور البرادعى كان المرشح المحتمل الأكثر قرباً من كتلتين تصويتيتين مؤثرتين، الليبراليين وشباب الثورة المتأثرين بالفكرة الليبرالية. قدم البرادعى خلال الأشهر الماضية التعبير السياسى الأفضل عن تمازج الليبرالية مع الديمقراطية فى السياسة واقتصاد السوق الملتزم بالعدالة الاجتماعية فى المجتمع والمساواة الكاملة فى المواطنة. واتسم مجمل مواقفه من عثرات المرحلة الانتقالية بالوضوح فى عدم المساومة على أمل التحول الديمقراطى بمهادنة المجلس العسكرى والاتساق مع الفكرة الليبرالية. كل هذا جعل البرادعى هو الأقرب لليبراليين ولدعاة الدولة المدنية، تماماً كما كان دوره قبل الثورة سبباً فى التفاف الكثير من الشباب حوله وقناعتهم بأنه هو الأقدر على قيادة مصر. وحين يبحث الليبراليون وشباب الثورة اليوم عن مرشح بديل، فهم يقفون بتردد لا يخفى على أحد إزاء مرشحين يعبرون عن الثورة وهدفى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية دون التزام صريح بالليبرالية كفكرة لبناء مجتمع متقدم ودولة عصرية. ويقفون أيضاً بتردد شديد إزاء مرشحين آخرين التزامهم بالدولة المدنية والمساواة بين المسيحيين والمسلمين ليس محل شك، إلا أن إيمانهم بالديمقراطية يرد عليه بعض الشكوك.
جسد المهندس الشاطر فى المساحة السياسية المرتبطة بالتيارات الإسلامية خصائص المرشح المثالى القادر على مخاطبة جماعة الإخوان ومناصريها والسلفيين وأتباعهم. دور الشاطر التنظيمى داخل الجماعة وقربه فكرياً من السلفية مكنه من هذا ودفع الجماعة لتسميته مرشحاً، على الرغم من رفض قطاعات واسعة بين المصريين لتسمية الجماعة مرشحاً لها فى الانتخابات الرئاسية وتحذير الكثيرين «وكنت من بينهم» من هيمنة الجماعة على الحياة السياسية وانفرادها بمواقع النفوذ. ترشيح الشاطر خاطب أيضاً المصالح الاقتصادية الكبيرة بلغة مطمئنة، خلفيتها قرب المرشح من المصالح هذه وصلاته القوية بأطراف فاعلة بداخلها. عنى استبعاد الشاطر قلقلة واضحة فى دوائر التيارات الإسلامية وناخبيها وانقسامات باتت واضحة بين من يعتزمون التمسك بمرشح الجماعة البديل الدكتور محمد مرسى ومن ينحون لتأييد الدكتور أبوالفتوح، والأخطر هو أن بعض من كان سيصوت للشاطر لن يذهب للمشاركة فى الانتخابات على الأرجح.
وينطبق الأمر ذاته، قلقلة بين كتل تصويتية كبيرة، على استبعاد الشيخ أبوإسماعيل.. صحيح أن الحركات السلفية اليوم هى بين مؤيد لأبوالفتوح ومناصر لمرسى، إلا أن الشباب الذين تفاعلوا مع المرشح المستبعد يظلون بعيداً عن كليهما ومنقطعى الصلة بالمشهد الرئاسى بعد استبعاد من نظروا إليه كبطل منتظر.. هنا أيضاً تأرجح واحتمال عزوف عن المشاركة.
يغيب البرادعى والشاطر وأبوإسماعيل بشخوصهم عن السباق وتظل تداعيات غيابهم مؤثرة بشدة.