بروفايل| يحيى الطاهر عبدالله.. الشعر يرثي الأديب
يحيى الطاهر عبدالله
"كاتب قصة".. توصيف اعتز به، حتى سعى إلى تدوينه في خانة العمل ببطاقته الشخصية، بعد تخليه عن - الوظيفة المضمونة - بوزارة الزراعة رغم حاجته إليها، في سبيل ما آمن وبرع به فأعطاه ما يملك، ولأنهم لم يعاملوه كما يليق بفنان، حتى استحق في موته أن يرثيه الأدب.
"ممكن يكون عمري قصير وأترك أثر كبير".. مبدأ سار عليه الأديب يحيى الطاهر عبدالله، المولود والمتوفى في نفس الشهر، حيث ولد في 30 أبريل من العام 1938، وتوفي في 9 أبريل من العام 1981، وكانت حكمته في محلها، فالأديب الذي توفي قبل أن يكمل عمره الـ43، عاش أعمارا طويلة وممتدة في عقول القارئين والباحثين عن الأدب العربي، ومن نتاجه "ثلاث شجرات تثمر برتقالا" في العام 1970، و"الطوق والأسورة" في العام 1975، التي تحولت إلى فيلم سينمائي أخرجه خيري بشارة، وكانت بطلته الفنانة شريهان، و"الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة" في العام 1977، و"أنا وهي وزهور العالم" في العام 1977، و"تصاوير من التراب والماء والشمس" في العام 1981.
وصف الأديب يوسف السباعي، "يحيى" بأنه "كاتب قصة محترف"، معتبرا أن "طه حسين" بقامته "ليس كاتب قصة محترف"، حتى أن براعة يحيى في هذا الفن، دفعت البعض لإطلاق لقب "شاعر القصة القصيرة" عليه.
سبقه صديقيه إلى العاصمة، تاركين جنوب مصر، ليستمع الأدباء إلى فنهم، حيث جاء الشاعر عبدالرحمن الأبنودي إلى القاهرة، في أولى محطاته، بينما ذهب الشاعر أمل دنقل إلى الإسكندرية، ولحقهم يحيى الذي أقام مع الأبنودي، في منتصف الستينيات، وأخرج مجموعته القصصية الأولى "ثلاث شجيرات تثمر برتقالا".
تميز يحيى الطاهر عبدالله، بالقدرة الفائقة في استخدام اللغة العربية بوجدان مصري، بحيث يشعر القارئ المصري أن الكاتب يخاطبه بلغته الحيّة، الأمر الذي كان بمثابة درجة عالية من التواصل بين الكاتب والقارئ، وهو التواصل هو الذي يحقق التفاعل بين المبدع والمتلقي.
أمهل القدر الكاتب يوسف إدريس، الذي قدّم يحيى لمجتمع الأدب، من خلال نشر مجموعة يحيى القصصية "محبوب الشمس" في مجلة الكاتب، كما كان من أوائل مَن رثوه عند مماته، فكتب فيه "النجم الذي هوى" قائلا: "حين رأيته كان قادما لتوه من أقصى الصعيد، من قرية الكرنك بجوار الأقصر، وكان نحيلا كعود القمح، حلو الحديث والمعشر كعود القصب، فتان القامة والبنية واللمحة، وذلك الخجل الصعيدي الشهم الذي لا تخطئة عين".
رفيق الدرب وشاعر العامية عبدالرحمن الأبنودي، نعى صاحبه الذي تعرف عليه في قنا حين انتقل إليها "الطاهر"، بقصيدة "عدودة تحت نعش يحي الطاهر عبدالله"، قائلا:
يا يحيى يا عجبان يا فصيح.. أتمكن الموت من الريح
كنا شقايق على البعد.. أنا كنت راسم على بعد
أبويا مات السنة دي.. يا رقصة يا زغروتة
وفرغت الحدوتة.. وع القرب شان الشقايق
وخانتني فيك الدقايق.. وأمي بتموت وتحيا
"الثلاثي الجنوبي" لم يكن ليكتمل إلا بشاعر الفصحى أمل دنقل، ليرثي ثالث المجموعة مع الأبنودي، حيث كانوا ينظمون أمسيات أدبية ثابتة بقصور الثقافة، ورثى رفيق دربه بقصيدة "الجنوبي"، قائلا:
ليت أسماء تعرف أن أباها صعد
لم يمت
هل يموت الذي كان يحيا
كأن الحياة أبد
وكأن الشراب نفد
وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد
عاش منتصبا
بينما ينحني القلب يبحث عما فقد
ليت "أسماء"
تعرف أن أباها الذي
حفظ الحب والأصدقاء تصاويره
وهو يضحك
وهو يفكر
وهو يفتش عما يقيم الأود
ليت "أسماء" تعرف أن البنات الجميلات
خبأنه بين أوراقهن
وعلمنه أن يسير
ولا يلتقي بأحد
مستطردا في أبيات أخرى:
بعدما لم أجد صاحبي
لم يعد واحدا منهما لي بشيء
هل نريد قليلا من الصبر؟
لا ..
فالجنوبي يا سيدي يشتهي أن يكون الذي لم يكنه
يشتهي أن يلاقي اثنتين
الحقيقة والأوجه الغائبة.