هل هذا معقول؟ هل يمكن استيعاب أن صحفية أجنبية رفضت ضغوط صحيفتها الشهيرة فى بلادها لفبركة تقارير من مصر وعن مصر تنتهى إلى أن إهمالاً جسيماً يضرب شركة «مصر للطيران» الوطنية المصرية، وأن هذا الإهمال ربما يكون قد تسبب فى سقوط الطائرة المصرية فوق المتوسط الخميس الماضى، وأن الغضب من الحكومة المصرية هو حال أهالى الضحايا، ثم يتم فصلها من عملها كعقاب لها نتيجة رفضها تعليمات رؤسائها، وأنه حتى اللحظة لم يتصل بها مسئول مصرى واحد ولا مسئول شعبى واحد ولا مسئول نقابى واحد، ولم تُدعَ إلى تكريم واحد ولا إلى تضامن واحد معها يقول إننا لا ننسى جميل من يقف إلى جانبنا ولا نتخلى عنه أبداً!
الإجراءات السابقة وهى الحد الأدنى للتضامن مع «فنسيان جاكويت»، الصحفية الفرنسية بصحيفة «لا سوار»، حيث كان الأمل فى توفير فرص عمل فورية لها فى مؤسسة صحفية مصرية أو فى أى مؤسسة أخرى، وإلى حين تجد عملاً مناسباً بديلاً، أو إلى حين تقرر أن تبقى فى مصر أو ستغادرها أو ستنتقل للعمل كمراسلة من القاهرة فى صحيفة فرنسية أو أوروبية أخرى!
وربما ما يشغلنا فى قصة «فنسيان» ليس فقط الدهشة من بطء ردود الأفعال والتعامل مع قضايا مهمة، ولا للدفاع عن سمعة المصريين ووقوفهم مع من يقف معهم ولا لتشجيع كل صاحب ضمير حر ويقظ للعودة إلى جاد الصواب، وإنما لكل ما سبق مجتمعاً وما بعده وربما ما قبله، وهو الإعلان بصوت عالٍ أن ملامح مؤامرة تحاك ضد هذا البلد الآمن قد انكشفت، وهذا هو أحد أدلته فى اعترافات علنية لصحفية فصلت بالفعل لرفضها المشاركة فيها!
وللأمانة.. فربما تشعر الخارجية المصرية بالحرج فى التدخل لعدم تسييس قضية «فنسيان»، لكن يبقى اللوم بعد نقابة الصحفيين وقبلها على الهيئة العامة للاستعلامات، التى هى إدارة العلاقات العامة للدولة المصرية، وهى أيضاً المعنية بشكل مباشر بالتعامل مع الصحفيين الأجانب ومنحهم تصاريح مزاولة المهنة فى مصر وسحبها، كما أن الأمر هنا لا يتعلق بصحفية تحت الإشراف الأدبى للهيئة، إنما نحن أمام أزمة تتعرض لها صحفية بسبب بلدنا، وتدخل الهيئة واجب!
كنا نتصور اهتماماً كبيراً بالأمر ليعكس أصلاً اهتمام المصريين بأمورهم، إلا أن -وفيما يبدو- أموراً كثيرة تغيرت وتبدلت، وأسوأ ما فى الأمر أن تندم صاحبة الضمير الحى على ما فعلت والأسوأ على الإطلاق أن تعود إلى بلادها وتعلن ندمها علناً وأمام الجميع!
سمعتنا كشعب شهم مضياف وطيب بين أيدى كل من يستطيع أن يفعل شيئاً لصحفية جريئة لم تطلب بالمناسبة أن يساندها أو يعوضها أحد، فى كبرياء نادر لا نجده عند بعض من يحملون الجنسية المصرية!