جاءَ العِلْمُ مُحَاوَلَةً لتفسيرِ ظواهر الكون، وخوارقِ الطبيعة، وتغيُّرَاتِ الطقس والمناخ، وطبيعة الحياة، ومآل الإنسان.. جاء إجابة، أو بالأحرى.. جاء مُحَاوَلَةً للإجابة!!
لذلك ما زال العلم يقف عاجزًا أمام ظواهر كونية مختلفة؛ إما لأن تفسيرها أبسطُ مما يكون أو أعقد مما يكون، أو أنه ببساطة لا يعرف.
في حلقة تلفزيونية أرسى ريتشارد فاينمان البروفسور في الفيزياء، وأحد أساطين العلم في العصر الحديث، مبادئ في الشغف العلمي، وهي الإجابة عن «لماذا؟»:
كان المذيع قد سأل فاينمان عن سبب تنافر مغناطيسين إذا جرى تقريبهما من بعضهما، بعكس أنهما يتجاذبان عند قلبهما. وعن سبب اكتساب المغناطيس هذه الصفةَ الفيزيائية!
رد فاينمان على المذيع: سؤالك ممتاز، لكن المشكلة في الإجابة عن «لماذا هذا يحدث؟». على سبيل المثال: إذا قلتُ لك: العمة ماني في المستشفى.. ستسأل لماذا؟ وأقول لك: لأنها انزلقت على الجليد وكسرت وِرْكَها. هذا الجواب يرضي الناس لكنه لن يرضي شخصًا جاء من كوكب ثانٍ ولا يفهم كيفية ترابط الأمور، فسيسأل: لماذا يذهب الإنسان إلى المستشفى إذا انزلق؟ وسيسأل: كيف كانت العمة ماني مكسورة الورك ومع ذلك ذهبت إلى المستشفى؟ هذه الـ«لماذا» لن تتوقف، هذا سيجعلك تغوص أعمق.
ففي المرة التالية سيسأل: لماذا الجليد يسبِّبُ الانزلاق؟ وسأقول له: لأن الجليد زلق؟ وسيسأل: لماذا الجليد زلق؟ وسأردّ: لأن الضغط يصهر جزءًا من الجليد لحظيًا فتحصل على سطح مائي أو سائل يجعلك تنزلق، وستستمر في السؤال: لماذا على الجليد ننزلق وليس على شيء آخر؟! لأن الماء يتمدد حين يتجمد، والضغط يحاول مقاومة هذا التجمد فيَصْهِره، لكن الأشياء الأخرى تتقلص ويقل حجمها حين تتجمد، والضغط يوافق حجمها. وسيسأل بالتأكيد: لِمَاذا يتمدَّد الماء حين يتجمد، بعكس الأشياء الأخرى!
يا للهول.. أترى؟! لا نهاية للأسئلة المتعلقة بـ«لماذا»؟!
الآن لماذا يتنافر المغناطيسان!!
هناك عدة مستويات للإجابة عن هذا السؤال..!
إما أن تكون طالب فيزياء، أو شخصًا عاديًّا.
لو كنت شخصًا عاديًّا، فلا يمكنني أن أقول لك سوى إن القوة المغناطيسية تجعلهما يتباعدان، وأنت تشعر بها. وهي جزء من الأشياء التي يجب أن تقبلها هكذا!!
أي أن فاينمان يعلنها صراحة.. السؤال بـ«لماذا؟» ليس جائزًا على إطلاقه في العلم، فالعلم يجيب عن أشياء محددة بطرق محددة، ولأشخاص محددين.
وفي سياق آخر، كان ريتشارد فاينمان يشرح مفهومًا حيَّرَ العلماء والدارسين أعوامًا طويلة، وهو كيف تسكن حركة الكرة عندما ترتطم بالأرض عدة مرات، مع أن قانون نيوتن يجزم بأن «الجسم المتحرك يبقى متحركًا».
شَرَحَ ذلك بأن ذرَّاتِ الكُرَة تكون في حالة حركة، محمَّلَةً بطاقة حركية، وعند ارتطامها بالأرض تنقل جزءًا من طاقة حركتها إلى الأرض التي تهتزُّ قليلًا (إذا كانت أرضًا رملية بإمكانكِ أن ترى بعينيكَ آثار الدخان الناتج عن اهتزازِ ذراتِ الأرض وتطايُرِها)، ومن ثم تعود الكرة إلى الارتفاعِ لكن بطاقةٍ أقل، فقَدْ سرَّبتْ جزءًا من طاقتها إلى الأرض التي احتَكَّتْ بها، وعندما ترتطِمُ مرَّةً أخرى، تنقلُ جزءًا آخرَ من الطاقةِ حتى تنقل طاقتها كلها، وتبقى ساكنة.
كما ترى، فإن العلم قد لا يُرضِي شَغَفَ الجميع، فهو وإن كان يحاول جَمْعَ الأسُسِ المنطقية للوصول إلى الحقائق، فإنه لا يجيب عن جميع الحقائق، وبعبارة أخرى: هناك العديد من الألغاز التي لم يستطع العلم الإجابة عنها. ومن ذلك:
المادة المظلمة
وهي كتلة غير مرئية يُعتَقَدُ أنها تُشَكِّلُ نحو 23 في المائة من الكون. ولها كتلة، ولكن لا يمكن أن نراها، أي أنها لا تمتص ولا تبعث الضوء، لذلك استنتج العلماء وجودها على أساس الجاذبية التي تفرضها على المادة العادية (المرئية). افترض وجودها لأول مرة عالم الفلك الهولندي يان أورت في عام 1932، ما زالت هذه المادة المظلمة على أهميتها غامضة، وغير واضحة، ولم يستطع العلماء قياسها.
هالة الشمس
وهي الطبقة الخارجية للشمس (Corona)، وهي غلاف رقيق جدًّا، من الصعب أن نراها من الأرض، ويمكننا رؤيتها بالعين المجرة أثناء الكسوف الكلي، وهي تتكون من البلازما، وهي فائقة السخونة، حيث تصل درجة الحرارة فيها إلى 27 مليون درجة فهرنهايت، وهذه الحرارة أعلى بكثير من درجة حرارة سطح الشمس التي هي فقط 5000 درجة فهرنهايت! وعلماء الفيزياء في حيرة يتساءلون: كيف قامت الشمس بتسخين الهالة؟!
مصير الكون
إن أعظم اكتشاف فلكي في القرن العشرين هو أن الكون يتراجع، وأن سرعة تراجع الكون تزداد منذ 16 ألف مليون سنة.. يعني هذا أن هذه الهيئة الفلكية التي نراها في السماء تتراجع إلى حيث لا نعرف. فإلى أين يذهب الكون؟ وإلى متى يظل يتراجع؟ وما مصير الكون..؟ لن أستطيع الإجابة لأن العلماء لا يعرفون!
الكائنات العاقلة
هل نحن بمفردنا؟ سؤال نسأله ويسأله أطفالنا وسيسأله أطفالهم؛ تقوم أجهزة رصد الأمواج اللاسلكية بمسح الفضاء الخارجي بحثًا عن الحياة منذ عام 1977. وتوصل العلماء إلى أن هناك نحو 60 مليون كوكب يحتمل أن يكون صالحًا للحياة في مجرتنا فقط!! لكن ما زلنا لا نعرف الكثير عنها.
كيف يتشكَّلُ الثُّقْب الأسود
ينشأُ الثقب الأسود من انفجار النجوم العملاقة، بعد أن تستهلك طاقاتها. إن الثقب الأسود يسحب الطاقة والضوء؛ يقوم بكنس كل ما يقترب منه، حتى إن رؤيته عمليًّا مستحيلة، ورؤية ما بداخله ضرب من الخيال. ويبقى العلم عاجزًا عن الإجابة عن كيفية حدوثه، وعن طبيعة التفاعلات التي تحدث داخل النجوم حتى تنفجر، وعما يحدث داخل الثقب الأسود.
نظرية كل شيء
يؤمن العلماء بأن هناك نظرية واحدة قادرة على تفسير جميع ظواهر الفيزياء، وتكون أساسًا لربط القوى الأربعة الأساسية في الكون (القوة النووية الشديدة، الكهرومغناطيسية، القوة الضعيفة، وقوة الجاذبية)، ووضع معادلة تفسِّر العلاقات الفيزيائية بينها جميعًا. غير أن هذه النظرية تبدو بعيدة المنال، وتقف دونها عقبات كثيرة، لم يستطع العلم أن يتحايل عليها، ويتجاوزها حتى الآن.