فى ظل أوضاع اقتصادية صعبة قررت الحكومة المصرية أن تعيد الكَرّة للدخول فى مفاوضات من أجل برنامج لتحقيق إصلاحات يتطلبها صندوق النقد الدولى من أجل حزمة من المساعدات المالية تصل إلى 12 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات. ومن خلال ما يُتداول من معلومات أو أخبار حول طبيعة البرنامج فإنه سيظل محل نقاش وتفاوض بين المسئولين المصريين ومسئولى صندوق النقد الدولى حتى الوصول إلى برنامج مقبول يحقق أهداف الصندوق ويوفر الحزمة المالية التى تحتاجها مصر للخروج من هذه الأزمة.
برنامج الإصلاح الاقتصادى، فى ضوء تاريخ برامج الإصلاح التى تفاوضت مصر عليها، يتضمن تقليل العجز فى الموازنة العامة للدولة، وهذا يتطلب اتخاذ سياسات تخفيض الدعم أو إلغاء الدعم على مراحل (ثلاث سنوات مدة برنامج الصندوق) حيث تقدم الحزم المالية وفقاً لتقدم الحكومة فى تنفيذ برنامج الإصلاح، وهو ما بدأ بتعديل أسعار الطاقة ويبدأ بالكهرباء ويتبعه بالطبع سعر البنزين وإن كان هذا تأجل لانخفاض سعر البترول ثم أسعار الخدمات الأخرى مثل المياه والصرف الصحى والغاز الطبيعى، أيضاً إلغاء الدعم للعملة الوطنية عبر تحرير سعر الصرف وإطلاق آلية العرض والطب وهو ما يصل بسعر الدولار مقابل الجنيه إلى 14 جنيهاً تقريباً وإن كانت الحكومة تتبنى التحرير المدار وهو ما يحافظ على سعر أقل من هذا على الأقل مرحلياً، وهذا يفسر عدم تدخل الحكومة فى موجة الارتفاع الحالية إلا بإجراءات بوليسية ضد شركات الصرافة والاتجار غير المشروع فى العملة.
من وجهة نظر الصندوق فإن المرونة فى سعر الصرف ستؤدى لتعزيز مركز مصر الخارجى ودعم استقرار الاقتصاد الكلى. فمن خلال سعر صرف أكثر مرونة يركز على تحقيق توازن السوق وتجنب ارتفاع سعر الصرف الحقيقى، يمكن زيادة توافر النقد الأجنبى وتحسين التنافسية ودعم الصادرات والسياحة وجذب الاستثمار الأجنبى المباشر.
أيضا ضمن الإجراءات المطلوبة التى قدمها الصندوق من خلال الحوار الذى تم عام 2015 هو دعم الموازنة العامة بموارد جديدة يمكن أن توفرها ضريبة القيمة المضافة، وهذا يفسر أيضاً تقديم مشروع القانون على عجل إلى البرلمان وإطلاق حملة دعاية عبر البرامج التليفزيونية لإقناع المواطنين أنها ليست ضريبة جديدة إنما هى إحدى مراحل ضريبة المبيعات.
السؤال هو أن هذه الإجراءات التى تتم لم يصاحبها برامج أمان اجتماعى لحماية الفئات الأكثر ضعفاً والطبقات الفقيرة من الزيادة فى الأعباء التى يتحملونها والتى تصاعدت فى ظل تزايد البطالة بين الشباب، أيضاً فى هذا الوقت تنفق الحكومة ببذخ شديد ولم تطبق برنامجاً لتخفيض النفقات الحكومية المبالغ فيها من قبيل شراء السيارات الفارهة للوزراء والمسئولين وديكورات المكاتب والمستشارين المنتشرين فى كل الجهات والوزارات التى تتجاوز مرتباتهم أى حد أقصى.
لم يتسم هذا البرنامج بالشفافية المطلوبة ولم يدر حوار مجتمعى حول الكلفة العالية والإجراءات الصعبة ومن سيتحمل فاتورة الإصلاح وكيف نحمى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المصرى الذى ينتمى للطبقات الفقيرة والمتوسطة التى تعانى وتئن ليس فقط من ارتفاع الأسعار ورفع الدعم إنما أيضاً من صعوبة إيجاد فرص عمل لأبنائهم وانتشار الفساد.
الفساد أيضاً يشكل عقبةً كئوداً أمام كل جهود الإصلاح ويكفى أن نعرف أن مصر تحتل المرتبة 131 فى تسهيل الأعمال سواء بالعقبات الإدارية والبيروقراطية فيحتاج أى مشروع إلى 70 توقيعاً لكى ينتهى بالإضافة إلى الرشوة التى تصاحب كل توقع فتزيد أعباء الفساد أيضاً على المواطن المثقل.
يجب أن نعلم كل تفاصيل برنامج الإصلاح الاقتصادى وألّا نقبل انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المصرى تحت أى ظرف.