فى واقعة مقتل سائق ميكروباص بالمعادى على يد أمين شرطة ذكر بيان الداخلية ما نصه: «أمين الشرطة أطلق عياراً نارياً تحذيرياً فى الهواء من سلاحه الميرى، أسفر عن إصابة قائد السيارة بطريق الخطأ، وأودت بحياته». ولعلك تذكر أنه فى شهر فبراير الماضى وبمناسبة مقتل سائق ربع نقل على يد أمين شرطة بالدرب الأحمر، جاء فى بيان وزارة الداخلية أنه «أثناء قيام أمين شرطة بصحبة أحد معارفه، بشراء بعض البضائع من المنطقة بمحيط المديرية، وأثناء تحميل تلك البضائع بسيارة ماركة «سوزوكى»، قيادة «محمد عادل إسماعيل»، حدثت مشادة كلامية بينهما، قام أمين الشرطة على أثرها بإخراج سلاح نارى عهدته، لفض الاشتباك، إلا أنه خرجت طلقة نتج عنها مقتل قائد السيارة».
يُوصف لجوء شخص أو جهة إلى تكرار الكلام نفسه فى مناسبات مختلفة بـ«الإفلاس»، فأى مواطن يلقى حتفه على يد أمين شرطة، هو «قتيل الخطأ»، فالأمين يُخرج مسدسه ويُطلق رصاصاته فى الهواء لتفرقة الجموع، كما نشاهد فى المسلسلات والأفلام العربى، لكن قد يحدث بطريق الخطأ أن تصيب مواطناً، لكن النكتة فى الأمر أنها دائماً ما تصيب المواطن الذى يتعارك معه أمين الشرطة، والإصابة دائماً تأتى من الهواء، يعنى إما أن تكون الرصاصة قد نزلت من فوق بقدرة قادر على رأس أو صدر المواطن، أو أن المواطن طار فى الهواء ليتلقف الرصاصة التحذيرية برأسه أو صدره. فى كل مرة تحدث مثل هذه الوقائع، تُردّد الداخلية الكلام نفسه، وهى تعلم أنه من الصعب على من يقرأه تصديقه، لكنها لا تتوقف عن التكرار.
والسؤال: هل كان المواطن يتوقع أن يسمع من الداخلية كلاماً غير هذا؟ أشك!، فالمواطن يعلم أن الشرطة سوف تخرج برواية تحاول أن تُبرّر بها الدم الذى أراقه أحد أفرادها، دون وجه حق. وعندما تصل السلطة -أى سلطة- إلى عتبة أن يتوقع المواطن ما ستقوله أو ما ستفعله، فتقديرى أنها أصبحت فى خطر حقيقى. ودعنى أقل لك كيف؟!. توقُّع الأقوال أو الأفعال يعنى «اليأس». هب مثلاً أن طفلاً أتى إلى والده يطلب منه نقوداً، فى وقت تعود فيه على أن يرفض الأب مثل هذه الطلبات، ظنى أن الطفل بعد أن يطلب من والده، سيُبادر إلى الإجابة: «عارف.. حتقول لأ!». وسيرد الأب «لما انت عارف بتطلب ليه؟!». نحن بإزاء طفل «يائس» وأب «خامل». اليأس خطر، والخمول فى مواجهة الخطر هو أخطر الخطر. المواطن وصل إلى حالة يأس من أن يتغير هذا النوع من الممارسات من جانب «الداخلية»، والوزارة تؤدى فى كل مرة بالطريقة نفسها، إلى درجة أنها لا تُكلف خاطرها بتجديد تبريرات قتل الأمناء للمواطنين فى بياناتها المحفوظة.
مصر الآن فى «الميكروباص». مشهد مصرع سائق ميكروباص المعادى يعكس حالة مصر، الركاب فى حالة تعب وإرهاق جراء انفجار الأسعار، وكل واحد منهم غارق فى التفكير فى كيفية إخراج كوعه من جوعه فى هذا الظرف العصيب، والسيارة فى الموقف، والسائق يتعارك مع الحارس، والحارس الحامل لرصاص الداخلية يخلص به هو الآخر كوعه من جوعه، مع المواطن والسائق!.