قبل انتخاب البرلمان الحالى كنت متشوقاً لأن يأتى هذا البرلمان ويضطلع بأدوار كثيرة، منها الحوار مع نظرائه فى أنحاء العالم، لفتح قنوات اتصال، حتى يكون وسيلة ينقل الشعب المصرى من خلالها حقيقة شعوره فى ما جرى فى مصر منذ ثورة 30 يونيو.. كنت أتطلع لأن يلعب البرلمان هذا الدور حتى يغلق الطريق على بلاد تدّعى أنها لن تستعيد علاقاتها معنا إلى شكلها السابق قبل أن يكون هناك نواب منتخبون يمثلون الشعب.. قالها لى جيمس موران، سفير الاتحاد الأوروبى فى القاهرة، منذ عام ونصف العام حينما أعلنت فى حوارى معه رفضى أسلوب البرلمان الأوروبى فى ما يخص مصر.. قال: «عندما يكون لديكم برلمان يمكن لأعضائه حينئذ أن يتواصلوا مع نظرائهم فتُحل المشكلات».. ذكّرته بمقولته هذه منذ أسابيع قُبيل رحيله عن بلادنا، معلقاً على أن الأمور لم تختلف، رغم وجود برلمان، فتعلّل بأن هذه الأمور تستغرق وقتاً وجهداً، وربما نسى «مالاً»، أو تناساها..
عندما قرأت عن سفر وفد من النواب، يكون مرافقاً للرئيس عبدالفتاح السيسى خلال زيارته إلى نيويورك للمشاركة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، تذكرت الحوارين وتذكرت كذلك رغبتى الشديدة فى أن يلعب المجلس هذا الدور.. قائمة النواب فى أغلبها تبدو مناسبة لمهمة إجراء لقاءات مع أعضاء الكونجرس ومنظمات المجتمع المدنى وبعض الوفود الأجنبية لإيضاح الصورة الحقيقية لمصر وكشف حقيقة النقاط الملتبسة على الجانب الأمريكى، والأكاذيب التى يروّج لها الإخوان عن الأوضاع السياسية والأمنية فى مصر..
تابعت أيضاً تشكُّك نواب آخرين فى الرحلة وتساؤلهم عمن يتحمّل تكلفة السفر، حيث استشعرت أنهم حريصون ألا تمس المجلس وأعضاءه أى شبهة، ولهم فى ذلك كل الحق.. لكن لو نجح النواب فى بعض ما خططوا له فى هذه الرحلة، ولو كانوا خططوا لها أصلاً تخطيطاً جيداً -وأعتقد أن هذا هو ما حدث وسأذكر الأسباب لاحقاً- فلا يهم كم تتكلف الرحلة ومن يتحمّل تكلفتها، لأن الذى سيتحمّلها يؤدى خدمة كبيرة لمصر، فهذا الدور لا يقل فى أهميته عن التشريع والرقابة.. وجودهم فى الولايات المتحدة أهم بكثير من فئات أخرى فى هذا التوقيت ووسط هذا الجمع..
سوف يتحمّل وفد النواب بذاءات الإخوان أمام مبنى الأمم المتحدة ومقار إقاماتهم، لكن هذا ليس بثمن باهظ، خصوصاً أن وجوههم غير معروفة كبعض الزملاء من الأعلام الذين عانوا وسيعانون من هذه المجموعات المنفلتة أخلاقياً.. لكننى فى الوقت نفسه أدعوهم ألا يكونوا من الواقفين على الأرصفة، وأن يستغلوا كل ساعة فى لقاءات مثمرة مع أشخاص مؤثرة، ويتحلوا بالصبر مع هذه الشخصيات، لأن بعضها مستفز، وبعضها له مصالح مع الجماعات، وبعضها تأخرنا عليه كثيراً فتفشت الفكرة الخاطئة فى عقله كما يتفشى المرض الخبيث فى جسد المريض..
أما عن توقعى نجاح الوفد ووجود تخطيط جيد هو ما سمعته عن شخصيات وطنية مصرية ليست تابعة للدولة ولا حتى للكنيسة -كما قد يتوقع البعض بعد إعلان قداسة البابا دعمه لزيارة الرئيس- لكنهم سافروا على حسابهم الشخصى ليستثمروا علاقاتهم، سواء فى مجال الأعمال أو السياسة، للتحضير للزيارة بشقيها الرسمى الذى يقوده الرئيس والشعبى الذى يُمثّله عشرون برلمانياً أمامهم مهمة صعبة سيعودون منها إن شاء الله غانمين لو قضوا كل وقتهم، وأعنى كل وقتهم، فى خلق قنوات الاتصال وقبلها فى المذاكرة.. مذاكرة الأطراف التى سيلتقونها، لأنهم ليسوا شخصيات بسيطة ولا سهلة.. وفقهم الله وأعانهم فى مهمتهم، وأرجو أن ندعمهم فيها على الأقل بعدم محاسبتهم إلا بعد العودة وتقديم تقرير مفصل.