أهالى الناجين: «الشرطة عارفة المهربين بالاسم وسايباهم»
الأهالى خلال انتظار المراكب التى ساعدت فى نقل المصابين والضحايا
بعد رحلة بحث عن ذويهم الغرقى ليومين، ألقوا بأنفسهم على أرصفة الشارع المتاخم لقسم شرطة رشيد، ليبيتوا ليلتهم مرتاحى البال بعدما اطمأنوا أن أولادهم نجوا من الهلاك فى رحلة الموت المحقق على مركب هجرة غير شرعية غرقت عند مدينة رشيد، بعد أن حلموا بمستقبل جديد فى بلاد ما وراء البحر، فعادوا ليحاسَبوا على ما اقترفوا من محاولة هجرة قرروها للنجاة من الفقر المدقع.
«إيمان»: «ابنى خدعنى وسافر بس المهم يكون عايش».. و«ملوحة»: «فيه ناس سادس مرة يحاولوا يهاجروا»
إلى جانب جذع شجرة، أخذت إيمان عادل نجلها الصغير فى حضنها فى انتظار شقيقه الأكبر، مصطفى أحمد، المحتجز لا يزال بقسم رشيد، فلم تكن تلك الأم تعرف أن نجلها سيهرب للخارج، لم يخبرها بما يخطط له، ورفضت مراراً سفره عن طريق الهجرة غير الشرعية بالبحر، ولا تعرف حتى الآن من أين أتى نجلها بتلك الأموال التى دفعها لسمسار ولا تريد أن تعرف، كل ما يشغل بالها أن تسترده وتعود به إلى البيت.
لا تشغل «إيمان»، التى تعيش وابنها بقرية شبين الكوم بالمنوفية، بالها بالخدعة التى أوهمها بها ابنها، حيث أخبرها أنه مسافر للإسكندرية لرحلة ترفيهية مع أصدقائه، لتفاجأ بتليفون من عسكرى بالقسم يخبرها بأن نجلها لديهم بعد نجاته من الغرق، لا تهتم لأمر محبسه: «ابنى خدعنى وسافر ومش مهم إنشالله يتحبس.. المهم يكون عايش وفى أمان».
على حصيرة رثة فرشها بجانب أحد جدران قسم الشرطة، جلس مجدى ملوحة، الذى لم يجد اسم ابن خاله، معتز الأديب، ضمن كشوف الناجين المقبوض عليهم، يبذل قصارى جهده لإقناع خاله بأن ابنه الغائب داخل القسم، يوهمه بذلك لكى يستريح قلبه حتى يتأكد من غرق الشاب المختفى، ولكنه ينتظر أمام القسم على أمل وجود ناجين جدد، وخاصة بعدما قرأ خبراً عن نجاة 80 آخرين، يتمنى أن يجد ابن خاله بينهم.
«ملوحة»، ابن قرية أبوصير التابعة للمحلة الكبرى، يقول إن عائلته لديها اثنان من الشباب فى إيطاليا، وظاهرة الهجرة غير الشرعية منتشرة فى قريتهم، لافتاً إلى أنها المرة الثانية لابن خاله التى يحاول فيها الهجرة لأنه «مالوش مستقبل فى التعليم، وبيقلد صحابه»، فقد دفع له والده 25 ألف جنيه للسمسار ليسافر بلا عودة، ويقول: «فيه جوه القسم ناس دى سادس مرة يحاولوا فيها يهاجروا».
يصب «ملوحة» غضبه على شرطة رشيد: «هما عارفين المهربين بالاسم وأماكنهم فى قرى الجزيرة الخضراء وبرج مغيزل وبرج رشيد، وسايبينهم يموّتوا ولادنا»، ويؤكد أن صاحب المركب يبلغ الشرطة بسرقتها قبل أن تخرج للصيد، حتى يعفى نفسه من المساءلة حين تغرق بمن فيها، مضيفاً أن المهربين يعتمدون على مراكب متهالكة وخردة لا تصلح للصيد لاستخدامها فى نقل البشر لـ«الموت مش للهجرة»، وتابع: «الشاب من دول بيلاقى أخوه اتخرج من الجامعة ومالوش شغل فبيضطر يرمى نفسه للموت عشان يهرب من الفقر»، لافتاً إلى أن المفقودين أكثر من 200 ما زالوا فى المياه، خمسة منهم من قريته، ولم يجدوا منهم إلا واحداً، وقبل أن يقرر «ملوحة» الاستقرار أمام القسم فى انتظار المفقود، يفجعه مشاهد الجثامين المنتشلة، يتذكر جيداً مشهد امرأة وقفت محتضنة رضيعها الذى مات بين يديها.
هانى ابن النيل، وقف ممسكاً بورقة بها أسماء الناجين، يحاول قدر الإمكان مساعدة الأهالى فى البحث عن ذويهم متطوعاً، يقول لـ«الوطن»: «تجارة الموت للهجرة غير الشرعية فى قرى السكرى والجزيرة الخضراء، هما المسئولين عن الكارثة دى، فيه أسماء معروفة ومشكوك فيها والاتهام مابيفارقهاش والكل عارفها».