لنتذكر جميعا أن فشل إدارة المرحلة الانتقالية أدى إلى عدة كوارث أفضت بدورها إلى إطالة المرحلة ووضع عقبات جديدة ورفع تكلفة الانتقال بشريا وماديا. أخطاء العامين الماضيين أدت إلى تسييس الجيش والقضاء والألتراس، وتمرد الشرطة، وتأزم الاقتصاد، وظهور مجموعات عنف غير تقليدى، وفتح البلاد على مصراعيها لتكون ساحة لمخططات إقليمية ودولية تستهدف الدولة ومستقبل المنطقة كلها.
واستمرار هذه الأخطاء اليوم وعجز الحكومة عن مواجهتها سيؤدى إلى تأزم كل هذه المشكلات وإضافة مشكلات جديدة، أخطرها تسييس قطاعات واسعة من أهالينا الطيبين من فقراء مصر ومهمشيها الذين ظلوا صامتين وصابرين لعقود وهم الآن يدخلون تدريجيا نطاق الاحتجاجات للحصول على حقوقهم المشروعة. بجانب تصاعد الأزمات الاقتصادية والانفلات الأمنى وشيوع العنف.
فى اعتقادى لا حل إلا بما كان يجب فعله يوم 12 فبراير 2011 الذى رفضه المجلس العسكرى وأدخلنا فى متاهات لم نخرج منها حتى اليوم. نحتاج إلى مصالحة وطنية شاملة يخرج عنها عهد وطنى مكتوب بخارطة طريق محددة:
أولا: تقديم الأجندة الوطنية على الأجندات الحزبية، وتوقف كل فصيل عن ادعاء احتكار الحكمة والفهم والوطنية، وإدانة العنف بجميع أشكاله.
ثانيا: مشاركة الجميع فى تحمل العبء ومواجهة القوى المعادية للثورة بتشكيل حكومة موسعة برئاسة شخصية من خارج التيار الإسلامى بجانب الرئيس الحالى، على أن تشرع الحكومة فورا فى إعادة هيكلة الشرطة، وإصلاح القضاء ووضع نظام للعدالة الانتقالية وإنقاذ الاقتصاد وتعديل الدستور وقانون الانتخابات، والكف عن تسييس ما لا يجب تسييه.
ثالثا: تضمين التعديل الدستورى بندا ينص على أن تكون أول حكومة بعد الانتخابات القادمة حكومة وطنية موسعة، كما حدث فى أول انتخابات بجنوب أفريقيا بعد التحول الديمقراطى. ففى مرحلة الانتقال والبناء يجب ألا يسود منطق السلطة والمعارضة وإنما المشاركة والتوافق.
رابعا: تشكيل فرق عمل من الخبراء لإعادة بناء كافة مؤسسات الدولة بكافة القطاعات على أسس موضوعية ومهنية تماما. وذلك حتى يشعر المواطن بالانتماء إلى دولة عصرية حديثة ويستطيع المشاركة فى البناء والنهوض.
خامسا: تشكيل فريق لفتح حوار حقيقى مع كل المجموعات الشبابية بهدف الاستماع لهم أولا ثم إيجاد آليات فعالة لدمجهم وتمكينهم من المشاركة فى البناء.
عندما تحدث كوارث فى الظروف الطبيعية تشكل حكومات وطنية ليشترك الجميع فى مواجهة الخطر، فما بالنا بمرحلة انتقال كالتى نمر بها. من الخطورة الرهان على الوقت، فما يحدث هو العكس تماما إذ تدخل قطاعات جديدة نطاق الاحتجاجات، ومن الخطورة أيضاً الاستناد إلى خطاب المؤامرة وكأن الإعلان عن أننا نواجه مؤامرة هو الحل. ما أعرفه أن أولى خطوات مواجهة المؤامرة هو تقوية السلطة بالشعب وتعزيز الجبهة الداخلية وتوسيع قاعدة التحالفات وليس العكس. وعلى جانب المعارضة، يجب العمل على الأرض وتقديم بدائل حقيقية بدلا من العمل فى الغُرف المغلقة والفضائيات، أو تصور الحل فى استدعاء الجيش أو الرهان على الخارج.
فهل من عقلاء فى السلطة والمعارضة؟ أم علينا دفع ثمن أخطاء ما تسمى «النخبة»، التى ربما تتكون من عدد لا يتجاوز 40 أو50 شخصا، والتى أخّرت الإصلاح قبل الثورة بمواقفها وانقساماتها وتكاد الآن تقتل الثورة وتشعل مصر كلها.