مصر الآن تشبه فريق الكرة الذى يعانى من مشكلات عدة تعجزه عن تحقيق الفوز فى المباريات، وتحصيل البطولات، وأمام كل إخفاق يلجأ الفريق إلى تغيير المدرب، ويأتى المدرب الجديد ليعدل فى تشكيلة الفريق، ليستقر الأمر لبعض الوقت، إلى أن يدخل الفريق فى مواجهات جديدة لا يوفق فيها، فيبدأ الصياح والتصايح بالمطالبة بالتغيير، فتختلف الوجوه، وهكذا دواليك. فى كل مرة نغير الوشوش، ونبدل الأشخاص، لكننا ننسى، أو نتناسى أن الفكر وطريقة اللعب وأسلوب الأداء واحد، وأننا مهما غيرنا من وجوه، ومهما بدلنا الأشخاص سيظل الوضع على ما هو عليه، لأن العلة فى الفكر وليست فى الشخص.
العلة فى مصر أن الأمور تدار بفكر قديم متهالك عفى عليه الزمن، وتجاوزته عجلة الحاضر. نحن نحتكم فى المطالبة بتغيير المسئولين فى المواقع المختلفة إلى الحوادث القريبة أو المشكلات العاجلة، وليس استناداً إلى رفض الفكر الذى يحكم أداء المسئول، حتى ولو لم تظهر مشكلات. على سبيل المثال، ثمة مطالبات عديدة، وصل صداها إلى مجلس النواب، بتغيير حكومة شريف إسماعيل، الأسباب التى يقدمها أصحاب هذه المطالب محددة فى عجز الحكومة عن ضبط الأسعار، ولجم الدولار، ومواجهة السيول والأمطار، هذا الطرح يهمل ما هو جوهرى فى أداء هذه الحكومة، من ذلك على سبيل المثال قضية الفساد فى توريد القمح التى ارتبطت بوزير التموين السابق خالد حنفى، والذى ظلت الحكومة تدافع عنه حتى صدرت أوامر بإقالته، وقضية التصريحات التى صدرت على لسان محافظ البنك المركزى وتحدث فيها عن أن الدولار سيصل إلى أربعة جنيهات، وأن من معه دولارات سيسرع إلى بيعها، وغير ذلك من كلام أثبت الواقع أنه لم يكن يعدو الثرثرة الفارغة التى يحاول بعض المسئولين من خلالها توظيف الشائعات فى التأثير على السوق. قضية فساد القمح ومسألة الدولار تؤشر إلى أن معادلة الأداء فى مصر لا تستند إلى جدية فى محاربة الفساد ولا تعتمد على آلية واضحة لحساب المسئول المقصر. ويكفى أى مسئول فى مواجهة أى مشكلة أن يلجأ إلى الحديث عن مصر المستهدفة والتى تتعرض لمؤامرة مستعرة مست المؤسسة التى يتولى إدارتها، لكى يفلت من المسئولية!.
الفساد وغياب الحساب لم يزالا المرتكزين الأساسيين اللذين يحكمان الأداء فى مصر، وطريقة «شدى حيلك يا بلد» هى الملاذ الآمن الذى يلجأ إليه البعض لستر الإخفاقات المتوالية، وبالمناسبة أغنية شدى حيلك يا بلد دوت فى مسامع المصريين أيام فضائح المنتخب المصرى أمام المنتخبين التونسى والنيجيرى فى تصفيات كأس العالم 1978. ذلك هو الفكر الذى يحكم الأداء لدينا. مشكلتنا أننا لم نستوعب حتى الآن معنى كلمة ثورة، الثورة تعنى تغيير الفكر ومعادلات الحكم والإدارة، ولا تعنى مجرد تغيير الأشخاص، والفكر فى مصر لم يتغير، مشروعاتنا قديمة، لغتنا عقيمة، لا مكان للاجتهاد، لا قناعة فى الإصلاح، لا محاولات جادة لمواجهة الفساد. إذن ماذا تتوقع أن يتغير فى الواقع عندما تستبدل وجهاً بوجه أو شخصاً بشخص، وأسلوب تفكير الاثنين مشدود على نفس القالب، قالب «السمع والطاعة»؟.. التغيير فكر، وليس شخصاً!.