فى بداية سنة 2012 أعلن فى الوسط الصحفى عن أن جريدة جديدة قيد الإصدار، وصدرت «الوطن» بالفعل فى أبريل من السنة نفسها، وقتها كنا حالة سمّيتها «السيولة الإعلامية»، ولم تكن تلك السيولة سوى تبين عن حالة عامة نعيشها منذ 11 فبراير 2011، اليوم الذى خرج فيه الرئيس مبارك من المشهد هو وفريق العمل الذى صاحبه فترة طويلة من كبار المسئولين فى الدولة، وكان مجموعة من الشباب التى تصدرت المشهد منذ يناير 2011، قرّروا الدخول إلى مرحلة الانتقام، الانتقام من الأفراد والمؤسسات العامة، اعتبروا أن ما جرى مساء يوم 28 يناير من تدمير لوزارة الداخلية وعدد من المنشآت العامة بالبلد، حالة مثالية يجب السير على نهجها، رغم أن ما جرى يوم 28 يناير من تدمير كان بفعل عناصر إرهابية أجنبية اقتحمت البلاد فى غزو خارجى همجى، وكانت تلك العناصر مرتبطة بطابور خامس بالداخل من الإرهابيين المحليين.
وسط موجة الانتقام والثأر والعقاب التى انتهجها أولئك الذين سموا أنفسهم لقب «الثوار»، تعرّضت المؤسسات الصحفية القومية لعمليات هجوم مقصود به تدميرها، بأن يتم سحب المصداقية منها ومن العاملين بها، ومن ثم تفقد القارئ وتفقد كذلك المعلن، والأهم من ذلك ترهيب مؤسسات الدولة، فلا تمد لها يد العون، وقد نجحت فلسفة الانتقام، واهتزت المؤسسات القومية، وثبتت الصحف «غير القومية» أو «الخاصة» تناوش حيناً وتحاول مجاراة الواقع حيناً آخر، باسترضاء جماعات وأفراد أو ميليشيات الانتقام، فى ذلك الظرف بات واضحاً أن المناخ العام بحاجة إلى إصدارات جديدة، وشهدت تلك الفترة صدور الكثير من المطبوعات، بعضها كان أشبه برغوة الصابون، ما لبثت أن اختفت مع أول هبة ريح.. وسط هذا المناخ صدرت جريدة «الوطن»، وكان واضحاً من العدد الأول أنها لم تصدر مجاراة لموضة ولا استغلالاً لموقف، بل لتكون صوتاً متميزاً، يضاف إلى الحياة الصحفية ويدعم المسيرة الوطنية، وصدرت تعبيراً عن احتياج حقيقى إلى صوت جديد مختلف ومتميز.
توافر للجريدة الكثير من مقومات النجاح، أهمها أن المناخ العام كان بحاجة إلى الإصدار، مع سخونة الأحداث، والانتخابات الرئاسية سنة 2012، وما صاحبها من استقطاب حاد وما شابه من دعوات للعنف والتهديد بإحراق البلاد، ما لم يفز مرشح جماعة حسن البنا، وقد فاز بالفعل بفارق ضئيل جداً من الأصوات، مع ملاحظات ومآخذ على العملية الانتخابية لا تجعلنا نعتبرها انتخابات نزيهة وحرة تماماً، فتم تزوير بطاقات التصويت فى المطبعة الأميرية، وتم منع أهالى بعض القرى بالصعيد من التصويت، لأنهم لن يمنحوا مرشح الجماعة أصواتهم، وقد سجل بيان المحكمة الدستورية العليا بإعلان نتيجة انتخابات الإعادة على هذه المحافظات.
وتتابعت الأيام، وبدا أن جماعة المقطم التى تحكم مصر فى طريق الفشل، وتشكّلت حركة تمرد، وصِرنا بين طريقين، طريق «نحكمكم أو نحرقكم»، وطريق الوطنية والمدنية والعربية، الذى عبّرت عنه أطراف كثيرة وكبيرة فى المجتمع، وعلى رأسها حركة تمرد، وقد انحازت «الوطن» إلى طريق الوطنية والمدنية، وصل الأمر إلى أن الجريدة استضافت أعضاء «تمرد» لعقد مؤتمر صحفى فى مقرها، وهذا يُحسب لهيئة تحرير الجريدة، خاصة رئيس التحرير المؤسس الزميل الأستاذ مجدى الجلاد، وفريق العمل الذى عاونه فى التأسيس.
وما كان للجريدة أن تنجح لولا وجود هذا الفريق، صحيح أن المناخ العام كان بحاجة إلى صوت صحفى قوى ورصين، لكن هذا المناخ نفسه شهد تراجع بعض الإصدارات، وأقول البعض، لأن هناك مطبوعات صدرت فى تلك الفترة وتبدّدت مع أول أزمة، وكأنها رغوة صابون.
خاضت جريدة «الوطن» الكثير من المعارك الصحفية، انحيازاً للقواعد المهنية والصحفية التى تعرفها الصحافة المصرية، وانحيازاً للدولة الوطنية ومدنيتها، وطنية بلا شفونية ولا عنصرية بغيضة، ومدنية تضمن للضمير الإنسانى كرامته وللعقل حريته، باختصار لا كهنوت ولا وصاية، وهذا ما جعل الجريدة تتّخذ موقفاً واضحاً وصارماً من جماعة الإرهاب والإرهابيين، وتساند الدولة فى حربها على الإرهاب الذى أراد تدمير مؤسسات الدولة وتهديد حدودها من كل جانب واقتحام حياتنا.
اليوم -سنة 2024- نرى جيلاً شاباً يتقدّم لقيادة الجريدة وتحمّل المسئولية بكفاءة مهنية واستقامة وطنية، وهذا ما يدعونا إلى أن نتفاءل.. تحية لمن فكر فى إصدار الجريدة ومن أسّسها، وتحية للقائمين عليها.. كل عام ومصرنا بخير، والوطن فى ازدهار.