ورحل صـانع البهجة
محمود عبدالعزيز
محمود عبدالعزيز مات: ما الجديد؟. فهذا شر لا بد منه.
الجديد هو ذلك الإحساس الذى انتابنا جميعاً: «نحن لم نشبع منه». لا كواليس فى حياة محمود عبدالعزيز. لا أسرار ولا شائعات ولا خناقات. لا شىء إلا «أبطال» يطيلون بقاءه، ويوسّعون دائرة نفوذه بين جمهور يحتاج - فى صحوه ونومه، فى فقره وغناه، فى حزنه وابتهاجه - إلى «بطل». مات محمود عبدالعزيز قبل أن نشبع من وجوده بيننا. مات جسداً.. وعاش بطلاً. ليس صحيحاً إذن أن نقول: مات رأفت الهجان. مات الشيخ حسنى. مات الساحر. هؤلاء وغيرهم لا يموتون، لأنهم «صورتنا» الحقيقية. صورتنا التى نحبها ونطمح إليها. صورتنا التى تشبهنا، فى حين أننا لا نكاد نشبه أنفسنا أحياناً.
لا تسأل: لماذا مات محمود عبدالعزيز، ولا كيف ومتى!. اسأل: ماذا سيقول عندما يقف بين يدى الله!. ما الذى فى ميزان حسناته سيزهو به!. سيقول: أنا «ساحر» السينما.. ويكشف عن حيله. أنا «صانع البهجة».. ويكشف عن نظرياتها. سيقول: أنا شيطنة «الكيف» وعواقبه المدمرة: «يا حلو بانت لبّتك.. أول ما دابت قشرتك». أنا طيبة «العار» التى تفضى إلى جنون: «وحبيبتى ملو الطُرّاحة.. حسرة علينا حسرة علينا». أنا بصيرة «الشيخ حسنى» المعاندة فى «كيت كات» داود عبدالسيد وإبراهيم أصلان: «يابا انت ليه مش عايز تصدق إنك أعمى». أنا الزوج البائس، المكافح، الشريف، فى بيضة ديك عمر عبدالعزيز (الشقة من حق الزوجة): «يعنى لو طلقتك تسيبينى أنام؟.. أيوه. ده آخر كلام؟.. أيوه.. إنتى طالق يا كريمة».
إذا لم يكن كل هذا كافياً.. فلديه «رأفت الهجان». هذا ليس بطلاً درامياً عادياً. هذا «باسبور» محمود عبدالعزيز الوطنى. هذه «خانة مصر» فى صراعها الأبدى لتكون أو لا تكون. هذا أثقل إنجاز فى ميزان حسناته. هل كنت تعرف «رأفت الهجان» قبل محمود عبدالعزيز؟. هل كنت تتخيل شكله؟. هل كنت تعرف معنى أن يكون المصرى «تعبيراً خطراً» عن الوطنية.. أن يكون جاسوساً لبلده من داخل مطبخ العدو؟.
مات محمود عبدالعزيز، لكن عزاءنا أننا فى كل فُرجة.. سنقول: «وُلد من جديد». وُلد فى كل الذين تقمصهم وانخرط فيهم وجعل منهم رموزاً وأيقونات: فى الحب. فى الوطنية. فى الإرادة. فى الخفة. فى الشجن. فى «العفرتة».. فى كل المحطات الفاصلة للنفس البشرية.
مات جسد «محمود عبدالعزيز» بعد «لقطة» طولها سبعون عاماً.. ولك أن تتخيل: كم «سبعين عاماً» أخرى سيعيش؟!.