خسرت من عمرى وأعصابى ما يكفى لتجنب الكتابة عن الحكم بحبس نقيب الصحفيين «يحيى قلاش» واثنين من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، كما اكتشفت أن الحديث عن عودة الشرطة لممارستها القمعية والهمجية لا يجلب إلا «الضغط والتوتر».. فلن أناقش معكم تعذيب المواطن «مجدى مكين»!.
لن أكتب عن أزمة الأدوية، ولا ارتفاع الأسعار، ولا سياسات الحكومة وسحب بطاقات التموين ممن يزيد راتبه على 1500 جنيه.. هذا «زمان الهلس»!.
ما نعيشه من أزمات أصبح «عبثاً»، والواقع السياسى «فيلم فانتازيا»، لكننا بكل وعى وإصرار نصر على إصلاح لن يأتى، وتغيير لن يتحقق بـ«الكلمة»!!.
سأبوح لكم بسر خاص، ذهبت للأستاذ الدكتور «أحمد عكاشة»، فى مستشفاه الخاص بالتجمع الخامس، أعانى الاكتئاب -مثل ملايين المواطنين- لكنه اكتئاب سببه تعاطى عقار «الكورتيزون» لفترة طويلة.. فى ختام حديث طويل مع عبقرى الطب النفسى، سألنى الدكتور «عكاشة»: ما طموحك فى الحياة؟
هنا، انسابت دموعى بغزارة، واكتشفت أننى لا أريد شيئاً، ربما لأننى لا أرى فى الأفق إلا الغيوم!.
إذاً، سأكتب لكم اليوم عن واقعة تكشف لكم عمق المأساة التى نعيشها على مستوى العقل والفكر، والاستلاب التام أمام «عمائم» تتلاعب بمصائرنا وتصر على تحنيط «الخطاب الدينى».. سأحدثكم عن أسلوب «المقاومة بالسخرية».
فجأة أعلن «محمد عبدالله نصر»، الشهير بالشيخ «ميزو» أنه «المهدى المنتظر».. وكتب على صفحته بـ«فيس بوك»: «بيان هام.. أعلن أننى أنا الإمام المهدى المنتظر (محمد بن عبدالله) الذى جاءت به النبوءات وجئت لأملأ الأرض عدلاً وأدعو السنة والشيعة وشعوب الأرض قاطبة لمبايعتى وذلك مصداقاً للحديث القائل روى أبوداود (4282) -واللفظ له- والترمذى (2230) عَنْ عَبْدِ الله بن مسعود عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلاً مِنِّى -أَوْ: مِنْ أَهْلِ بَيْتِى- يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِى، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِى، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً، وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً) وصححه الألبانى فى صحيح أبى داود»!!.
وبعد أن هاجت المواقع الإخبارية، وتقدم المحامى «سمير صبرى» بأول بلاغ لنيابة أمن الدولة العليا يطالب بمحاكمة الشيخ «ميزو»، لاتهامه بارتكاب جريمتى النصب وازدراء الأديان المعاقب عليهما بالمواد (336 - 98) من قانون العقوبات.. خرج الشيخ «ميزو» على الرأى العام بأسلوب «الكاميرا الخفية» وقال: (الحديث المنشور يثبت أن المهدى المنتظر يسمى محمد بن عبدالله، وأنا محمد بن عبدالله، وإذا أراد الأزهر تكذيبى فليفعل، ويرفض ما جاء فى البخارى ومسلم).
وأوضح «نصر» قائلاً: إن (ما كتبه غرضه إثبات أن ما جاء فى البخارى من حديث هو كلام فارغ، وقال أنا أريد تنقية التراث الإسلامى باستخدام الصدمة فى الثوابت التى يعتقد المسلمون فيها ويروج لها شيوخ الأزهر، ورجال الدين المسلمون)!.
وتابع: (لا يصح أن يكون فى ديننا أحاديث للترويج للدجل، فأحاديث المهدى والدجال كلها كاذبة، وغرضها بث التكاسل فى نفوس المسلمين عن التفكير بعقولهم، والانتصار لحقوقهم، لاعتقادهم أنه فى آخر الزمان سيأتى من يخلصهم من كل الظلم)!.
لست بصدد مناقشة أفكار «ميزو»، ولا رفضه لقضية «عذاب القبر»، وخرافة «الثعبان الأقرع»، ونكاح الميتة.. إلخ.
فقط أتوقف أمام «حالة» كاشفة لواقعنا المؤلم المرير.. لقد ثرنا مرتين لنكرس الخرافة ونقدس نفس التابوهات: (الدين والجنس والسياسة).. وقد خضت معركة كانت كفيلة بالوصول لتكفيرى حول تابوه «الثعبان الأقرع»!!.
وتعرضت لأبشع أنواع التشهير والسب والقذف، حين دافعت عن حق الشاعرة «فاطمة ناعوت» والباحث «إسلام بحيرى» فى التفكير والتعبير.. فهل هذا مناخ يسمح بالحفاوة بالعفو الرئاسى عن «إسلام» وشباب فى عمر الزهور تظاهروا فسلبت حريتهم ثم جاءتهم فى هيئة «منحة»!.
هل هذا مناخ يسمح بمناقشة قانون «ازدراء الأديان»، أو الضريبة التصاعدية، أو الفساد الذى ينهش كل المشاريع التنموية؟.. نحن نتعامل مع كل هذه القضايا بنفس أسلوب «ميزو»!.
لكن الكثير منا لا يملكون تطبيق «أسلوب الصدمة» مع أحكام «القضاء» و«القدر» الذى لم يحم «الإصلاح الاقتصادى» من محتكرى الحديد والأسمنت والأدوية والسلع التموينية.. إلخ.
نحن الآن نعيش فى حالة اتفاق ضمنى لم ندونه، وكأننا نعيش.. وكأننا نغير.. وكأننا متفائلون.. وكأننا سعداء.. إنها لعبة قديمة أدمناها وأسميناها: (وكأنه وطن)!!.