سألني صديق: لماذا لم أسمِّ (من التسمية) هذه السلسلة من المقالات (مِن أعظم ما قرأت)، لماذا جعلتها (أعظم ما قرأت)؟!
وكانت الإجابة بسيطة، وهي أنني أعرض فيها أعظم ما قرأتُ بالفعل، وقد تجاهلتُ عشرات من الكتب التي التصقت بها وقرأتها، غير أنني لما فكرت في قيمتها الحقيقية (عندي) لم أجد فيها ما يشفي غليلًا ولا يسمن من جوع.. ولأن كلمة (مِن) تُشعِر بمدح الكاتب لِذَاتِه، وإيهامه للمتلقي بأنه قرأ آلاف الكتب، وأن هذه الكتب العظيمة التي اختارها هي من جملة كتب عظيمة أخرى لم يتسنَّ وقته لعرضها! وُلِدْتُ (أنا كاتب هذه الأسطر) بلعنةٍ لا أدري لها خلاصًا، وهي إتمامي ما أقرأ أيًّا كانت درجة تفاهته.. أُمسِكُ بمعجم عن أسماء الأماكن في التوراة القديمة، فأقرؤه حتى كلمة (تمت) في نهاية الكتاب.. أعلم وأنا أقرؤه أنه لن يفيدني، وأنني سأنسى جميع ما قرأتُ فور انتهائي.. لكنني لا أملك زمام التوقف.. هذا الفضول (سمِّه شغفًا) ساعدني من حيث لا أدري ولا يدري في إجالة النظر في كتب مبتورة القيمة (من وجهة نظري الشخصية)، وها أنا أبتعد عنها حين أصنِّف في حسن الكتابة.. فإذا نصحتك بالابتعاد عن قراءة كتاب ما، فأنا أتمنى أن تصدق بأن (كثرة البكاء تُعلِّم القسوة)..
لا أطيل عليكم!!
تركتكم أسبوعين؛ أتمنى أن تكونوا قد أنهيتم الروايات والكتب التي نصحنا بها الأسبوع قبل الماضي! لو لم تفعلوا فإن الحمل سيثقل بالكتب الثلاثة التالية..
في البدء أحب أن أقول إن الترتيب الذي أعرض به الكتب التي أصنِّفها بـ«أعظم ما قرأت»، ليس له علاقة بجودة الرواية أو سهولتها أو قربها من قلبي.. إنني أحاول أن أعرض في كل مقال وصفة (روشتة) قرائيَّة تكون وجبة متكاملة من خير ما قرأت وأعظمه، وسنبدأ من هذا الأسبوع بإذن الله بتقليص عدد الكتب التي أوصي بها إلى ثلاثة فقط كل أسبوع..
وفي هذا الأسبوع أصحبكم في رحلة تبدأ ببلاد الصين ومنها نُقلِع إلى فرنسا ثم نهبط على أرض الوطن بسلامة الله..
1- رواية «اليوم السابع» للكاتب الصيني يو هوا:
المؤسسات الثقافية في الوطن العربي بصفة عامة مقصِّرة في نشر أدب آسيا، لا سيما الأدب الصيني (على حساب الأدب الأسباني واليوناني).. أدب العقلانية ورصانة السرد والعجائبية المنضبطة.. هذه رواية تبدأ من نهايتها.. شاب في الحادية والأربعين (وإن كان يبدو في الخمسين) تائه غادرته زوجته لتلحق بركب الثراء وأب روحي أحس بدنو أجله فقرر ألا يُحَمِّل صغيره مشقَّات الرواح والمجيء إلى المشفى.. والابن في مطعم صديقه يتذكر مواجعه ويئن من فرط ما يحمل، وإذا بانفجار وحريق.. يستيقظ في سريره ليجد رقمًا يخبره بموعد حرق جسده، هو ميِّت إذًا.. يذهب بقدميه إلى «مؤسسة الخدمات الجنائزية» طمعًا في حرق جثته، والذهاب إلى أرض الراحة الأبدية.. غير أنه يجد الأمر أكثر تعقيدًا من استيعابه. يعثر على ثلة ممن ماتوا (ولم يُدفنوا) وكان يعرفهم في عالَمِه، فيزجي معهم بعض الوقت.. ترجع القصة (فلاشباك) لتظهِّر لنا تفاصيل الصورة، ولتعيدنا إلى عالم الأحياء، ثم نرجع (فوروارد) إلى الصورة النهائية.. ومفاجآت تكشف عمق شخصيات المجتمع الصيني، وتحكي عن انتشار الفساد، وتجذُّر الجهل والخرافة.. والقمع!
إحدى الروايات القليلة التي قرأتها مترجمة فشعرت بأنني أطلع على النص الأصلي، من فرط صدق المترجم (سوى في الجزء الأخير من اليوم الخامس إلى السابع، بدأت الفكرة في الإفلات قليلًا)..
أما كاتبها فهو عبقري السرد الصيني يو هوا، لا تنفلت من يديه خيوط الرواية، يمسك بتلابيبها، يروي لك فتعرف ما لا يريد أن يحكيه، ويعطيك رمزًا تستوعب منه معاني خفية في نص مبني باحترافية.. يقص عليك جزءًا ثم يتركك فصولًا ثم يعود إذا شاء ليكمله، في لحظة يتنامى شوقك إلى غايته من أجل حلحلة مفاتيح الرواية!
رابط الرواية
https://ia601209.us.archive.org/8/items/ketab2063/ketab2063.pdf
2- كتاب «هوس العبقرية الحياة السرية لماري كوري» من تأليف الكاتبة الأميركية باربرا جولدسميث:
لإعجابي بشخصية مدام كوري أول من يحصل على جائزتي نوبل في مجالين مختلفين (حصل زوجها على نوبل وابنتها الكبرى كذلك.. هي عائلة مجنونة لا شك).. وجدت كتابًا للعظيمة باربرا جولدسميث الصحافية الروائية الكاتبة، تحكي فيه عن حياة مدام كوري برشاقة قلمها وسردية لا يزيد عليها روعة سوى حكاية مدام كوري ذاتها!! اشتريته وأنا على أبواب المطار باقٍ على موعد طائرتي ثلاث ساعات كاملة، أكلت صفحاته في نهم، حتى كاد يفوتني موعد الإقلاع!!
البنت الفقيرة البائسة التي تتبادل مع أختها المواقع في المدرسة (عامًا لها وعامًا لأختها) لعشقها العلوم.. تعمل خادمة، ثم تُطرد لتعلُّق صاحب المنزل بها، تتأخر في الدراسة النظامية عمّن في عمرها 16 عامًا كاملة، ثم تعود إلى دراستها لتأكل العلوم والرياضيات واللغات أكلًا.. تشب عن الطوق، وتلفت الأنظار، وتدخل إلى تاج جامعات فرنسا (السوربون) تعمل في مختبر صناعي، لتكتشف عناصر جديدة، تدفع مسيرة العلم خطوات إلى الأمام.. لكنها امرأة وحيدة في عصر يحتقر النساء ويخفي إنجازاتهن، يمزق المجتمع مستقبلها، فتصنع لها حاضرًا جديدًا، تتزوج بيار كوري، وتُرزق بإيرين وإيف، وتظل في رحلتها إلى طلب العلم، لتحطم الأرقام القياسية ويجيئها العلماء حبوًا، وتأخذ مكانتها المستحقة غلابًا..
جوانب خاصة من حياتها تعرضها باربرا للمرة الأولى.. سيرة ذاتية لا تكتبها ماري بنفسها، تهديها إليها امرأة استثنائية مثلها، ونحن الفائزون.
رابط الكتاب:
http://www.mediafire.com/file/3zismege0fug0po/%D9%87%D9%88%D8%B3+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%A9.rar
3- رواية «أنا عشقت» لمحمد المنسي قنديل:
تبدأ الرواية بـ«فانتازيا» مختلفة؛ فتاة تودّع حبيبها غير المهتم، يركب القطار، فتتخشب هي على المحطة بعد أن نفث دخانه، يحاولون تحريكها فلا تتحرك، متسمِّرة كأنما هي قالب إسمنتي لشبح امرأة تنتظر محبوبها ليبث فيها الحياة، يتحير الطبيب الشرعي في حالتها، ويعلن أنها حية - متخشِّبة، تصبح مزارًا.. طالب الطب الصغير المتبسم للحياة، أخذ على عاتقه حل لغزها، يركب القطار ويبحث عن حبيبها، فيختلط بظلمات القاهرة، كلما اقترب من الإمساك به ينفلت من بين يديه، كأنما يطارد شبحًا لم يكن يومًا على هذه الأرض، حتى وقع في متاهة المدينة الظالمة!
تتداخل أحداث الرواية وتتشابك حتى يعثر عليه، فيجد المفاجأة..!!
يحاول إقناعه بأن يعود إلى الفتاة لتدب الروح فيها، إذ لا هي ميتة تُدفن، ولا حية تُرجى.. يقايضه، ويتفقان، ويلتزم طالب الطب الساذج بالاتفاق!
يَدَا محمد المنسي قنديل ليستا كأيدٍ كثيرة أتقنت فن الضحك على المتلقي في ثوب
الكتابة الخاوية، لا تذهب بك أبعد من سطورها، ولا تستفز فيك شيئًا، ولا تفيدك بأي شيء.. عالم المنسي أكثر احتفاء بالقارئ، واحترامًا لعقلانيته.
يقدم المنسي قنديل وصفة متوازنة بها حبكة الرجل الذي خَبَرَ الحياة، يَلْبَس الشخوص، فتصدِّق انفعالاتها، وتقسم أنك رأيتها تتحرك هنا أو هناك.. يبكي البطل فتنحدر دموعك، ويضحك فيدب فيك النشاط.
يُدخِلُك في قصصٍ فرعية فتستمتع بها، حتى لتنسى أين أنت، فتضيع مع بطل الرواية كما ضاع..
رابط الرواية:
http://www.mediafire.com/file/7a4eo7yb7o4vyo7/24.pdf