وافق أمس الأول (18 ديسمبر 2016) اليوم العالمى للغة العربية. الحدث مرّ مرور الكرام، ليُعبّر عن واقع لغة تعيش محنة بأيدى أهلها. إجادة الكتابة أو الحديث بالعربية اليوم أصبح مطلباً غالياً يعز على الكثير من المصريين، وغيرهم من أبناء الأمة العربية، وهو يعز على الطالب الذى لم يعد قادراً على كتابة سطر واحد دون أخطاء إملائية، كما يعز على بعض المسئولين الذين لا يراعون ما ينبغى مراعاته من قواعد اللغة عند الحديث، فتجدهم يرفعون المنصوب، ويجرّون المرفوع، والناجى فيهم فقط هو من يحتكم إلى قاعدة «سكّن تسلم». أضف إلى ذلك بالطبع النطق العجيب لبعض المفردات، بصورة تعكس قدراً لا بأس به من الاستخفاف باللغة، اتكالاً على قدرة المتلقى على فهم المضمون، وهو عذر لا يُبرر خطأً.
نحن أمام لغة تُنحر على يد أهلها، ودعنى أشرح لك كيف؟!. لعلك سمعت عن تلك الدعوة التى تبنّاها عبدالعزيز باشا فهمى -قبل ثورة يوليو 1952- بالاعتماد على الحروف اللاتينية، كبديل للحروف العربية فى رسم الكلمات، واستند فى دعوته إلى أنه يُقدّم حلاً لمشكلة اللبس فى نُطق بعض الكلمات العربية، حين تخلو من التشكيل، فإذا كتبت لك مثلاً كلمة «لعب» فأنت لا تدرى هل أقصد بها الفعل «لَعِبَ» أم الاسم «لُعَب». قُوبلت هذه الدعوة بمقاومة عنيفة، ونُظر إليها كدعوة استعمارية يتبنّاها من يريدون فصل هذه الأمة عن تاريخها، وضرب أبجديتها اللغوية، تمهيداً لنفيها من حياة الناطقين بها. فى السنوات الأخيرة -دون وجود دعوة ولا يحزنون- بدأت أجيال بأكملها تتحول إلى ما أطلق عليه الكتابة «الفرانكو أراب»، ولجأ الشباب إلى استخدام الحروف اللاتينية فى رسم الكلمات العربية، سواء عبر رسائل الموبايل أو الشات وخلافه، إلى حد أن أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من أجيال ستكون صلتها باللغة العربية أشبه بصلتها باللغة الصينية. لا تتعجّب من هذا التوقّع، لأن المسألة لا ترتبط بنزعة شبابية فقط، بل ترتبط بثقافة اجتماعية وثقافة عمل تضرب اللغة الأم وتحتفى بكل ما هو أجنبى!.
لاحظ من حولك، ستجد آباء وأمهات كثيرين يتباهون بأن أبناءهم لا يجيدون سوى الحديث بالإنجليزية، وأنهم «غلبوا معاهم يا عينى علشان يتكلموا عربى بس الاولاد بترفض!». هذه العبارات لا تُقال على سبيل الشكوى، بل فى سياق «الفشخرة»، فى ضوء ما تحمله من إشارات لا تخطئ إلى مستوى المدرسة التى يتعلم فيها الطفل، وحجم المصروفات التى تُدفع له كل عام نظير تعليمه «الرطن» باللغة الأجنبية، وهكذا. أما العمل فقد أصبح يشترط إجادة الإنجليزية، ولا يهم أن يجيد المتقدم له لغته القومية التى يتعامل بها مع بنى جلدته. ليس معنى ذلك بالطبع ألا تهتم الأسر أو المؤسسات التعليمية بتعليم اللغات الأجنبية، فهو أمر ضرورى فى البناء التعليمى للشخصية، لكن من الضرورى أيضاً الاهتمام باللغة الأم التى تُعبّر عن الهوية القومية للإنسان. عيب علينا أن نقتل بأيدينا لغة حية، فى وقت نجد فيه دولة الكيان الصهيونى، تُحيى اللغة العبرية من عدم.. استقيموا على «العربية» يرحمكم الله.