كل مصرى يسير الآن فى الشارع هو قنبلة موقوتة. كم الإحباط والضجر الذى تراكم داخل الكثيرين خلال الأسابيع الأخيرة جعلهم قنابل تسير على قدمين. الناس يتعاركون لأتفه الأسباب، يمكن أن تكون الخناقة مع صاحب سوبر ماركت عندما يعلم الزبون السعر الجديد (المضاعف) للسلعة، يمكن أن تكون مع محصّل النور حينما يفاجئ مواطناً بالفاتورة الفلكية، وكذلك يمكن أن تكون مع محصل الغاز، أو محصل المياه، يمكن أن تكون عند الجزار أو بائع «الفراخ». إنها حالة إنسانية تؤدى إلى الإحباط وصفها الشاعر الهندى «طاغور» فى قصيدة له بعنوان «رحلة إلى السوق»: من بين ما قاله فيها: «أيها الحارس أفتطلب ضريبتك؟.. لا تخف يا أخى، لأنى ما زلت أملك شيئاً!.. إن سكون الريح ينذر بالعاصفة، وإن السحب المتجهمة فى الغرب لا تبشر بخير».
السحب المتجهمة لا تبشر بخير، وكذلك وجوه المصريين المتجهمة هذه الأيام غير مبشرة. القرارات التى اتخذتها الحكومة سكت الناس عنها، حتى راحت السكرة وجاءت الفكرة. راحت سكرة «الخبطة على الرأس» التى سيطرت على الجميع بعد قرار تعويم الجنيه، ثم رفع أسعار الوقود، ومن قبلهما فرض ضريبة القيمة المضافة، ومن بعدهما شح بعض السلع مع اختفائها من الأسواق. لم يعد يمر يوم فى حياة المواطن إلا ويكتشف جديداً فى سعر: سعر التعليم أو الدواء أو الكساء أو الأجهزة الكهربائية، أو السلع الغذائية. كان الشعب فى سكرة وخرج منها إلى الفكرة فعلت الجهامة الوجوه، وأصبحت خريطة «وشوش» المصريين ناطقة بالإحباط والغلب والقهر، أما الحكومة فتستطيع أن تقول بضمير مستريح إنها حكومة فاقدة للوعى، تذكرنا بالأفلام العربى القديمة التى يرفع فيها البطل شعار اشرب «عشان تنسى». تتوالى الكؤوس حتى تنتفخ الأوداج المحتقنة بالخوف من الآتى بضحكات مصنوعة.
ماذا نقول فى صاحب قرار تعويم الجنيه، دون أن يبصر بعينيه الحال التى وصلت إليها العملة، والدولار يلامس الآن سقف الجنيهات العشرين، والأحاديث لا تتوقف والتوقعات لا تنتهى عن مستقبل الجنيه البائس، إلى حد دفع البعض إلى توقع الوصول إلى مرحلة «البيع بالكيلو»!. ماذا نقول فى أصحاب الألسنة التى ترى أن هذا الشعب غنى يريد أن يضع فلوسه تحت البلاطة، اعتماداً على ما يلهفه من الحكومة «الغلبانة»؟!. ماذا نقول فى صاحب الدعوة إلى إلغاء المجانية فى مراحل التعليم المختلفة - باستثناء المرحلة الابتدائية- حتى تصبح مصر مثل دول الغرب، رغم أن التعليم العام فى العديد من الدول الغربية بالمجان؟!.
الحكومة المغيبة تزعم أن الإجراءات التى تقوم بها تصب فى خانة «الإصلاح الاقتصادى».. والسؤال: أين المؤشرات الدالة على الإصلاح؟!. كل ما نراه مجرد إجراءات لإصلاح الأوضاع المالية للموازنة العامة، وإجراءات أخرى تستهدف إرضاء صندوق النقد الدولى حتى ينعم علينا بالشرائح الجديدة لقرض الـ12 ملياراً. كل ما تفعله الحكومة يقع فى سياق ما يمكن أن نطلق عليه «نظرية نحر المواطن».. والعلاقة بين معنى «النحر: «و«الانتحار» مفهومة!. وما أخشاه حقيقة إذا لم يدرك المسئولون عن هذا البلد الأمور -قبل أن تستفحل أكثر من ذلك- أن تنتحر الوجوه المتجهمة فى وجهها!.