مع تفشى العشوائية فى حياتنا، اختفت تدريجياً مظاهر الجمال، وبدأ التردى فى الذوق العام، وانحدر مستوى الحوار بين أفراد المجتمع. والواقع أن الإحساس بالجمال مسألة فطرية متجذرة فى النفس البشرية. فالإنسان السوى يتوق إلى الجمال، وينفر من القبح. ولذلك، يغدو عبثياً أن تنشئ الدولة وزارة وهيئة لتنشيط السياحة وأن تصرف مئات الملايين من الدولارات على حملات ترويجية فى الخارج لزيادة حجم السياحة الخارجية إلى مصر، بينما توجد المبانى العشوائية ومناظر القمامة بالقرب من الأماكن السياحية. وإذا كان من المأمول أن تكون كل بقعة فى مصرنا الحبيبة جميلة وفى أبهى صورها، فإن ذلك يبدو ضرورياً فى المناطق التى يرتادها السائحون الأجانب. ومن هذا المنطلق، ينبغى أن ندرك خطورة التقاط السياح اليابانيين صورة لمحطة أسوان وهى فى حالة فوضى بسبب إعادة إصلاحها، حيث قاموا بإرسالها إلى أصدقائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعى.
قد يعتقد البعض أن الاهتمام بالمظهر من قبيل الكبْر، وأن إهمال النفس من الزهد. ويمكن الرد على هؤلاء من القرآن الكريم، حيث يأمر الله عز وجل عباده المسلمين بالجمال فى المظهر: «يَا بَنِى آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ» (سورة الأعراف: 31). ويقول سبحانه: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ» (سورة الأعراف: 32). ورُوى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر». فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة. قال النبى: «إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس».
وجمال الطبيعة إحدى الدلالات على وجود الخالق، ويزخر القرآن الكريم بالعديد من الآيات عن جمال الكون. فعلى سبيل المثال، يقول الله عز وجل: «أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ» (سورة النمل: 60). ويقول سبحانه: «وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ» (سورة الحجر: 16). وقال: «أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ» (سورة ق: 6 -7).
وفى فقه القانون الإدارى، فإن هدف السلطة العامة هو المحافظة على النظام العام فى المجتمع. والنظام العام بمفهومه التقليدى يشمل عناصر ثلاثة، هى: الأمن العام، الصحة العامة، والسكينة العامة. ولكن تطور المجتمعات الحديثة، وتنوع نشاط الدولة واتساع مجالاته، أدى إلى التوسع فى فكرة النظام العام، بحيث ظهرت عناصر جديدة له، منها «جمال الرونق والرواء العام»، ويُقصد به المحافظة على المظهر الفنى والجمالى للشارع العام. وهكذا، يرى بعض الفقه أن جهة الإدارة مسئولة عن حماية مشاعر الفن والجمال لدى المارة، كمسئوليتها عن حماية حياتهم وسلامتهم، وأن للإنسان الحق فى حماية حياته الأدبية والثقافية والروحية، علاوة على حياته المادية، باعتبارها كلها جوانب لازمة للوجود البشرى المتكامل. ولهذا، فقد قضى مجلس الدولة الفرنسى بشرعية لائحة تحظر توزيع الإعلانات والنشرات على المارة فى الطرقات خشية إلقائها بعد قراءتها، مما يشوه منظر الطرقات ورواء الأحياء السكنية. ومن أجل المحافظة على جمال المدينة، تجيز بعض التشريعات لجهة الإدارة إلزام مالكى العقارات بالقيام، على نفقتهم الخاصة، بتنظيف الواجهات الخارجية لأى بناء سيئ المنظر، أو يشوه الحى أو الشارع. وقد يصل الأمر إلى حد إزالة البناء المشوه للجوار أو المنظر العام للمدينة.
وانطلاقاً مما سبق، ارتأينا من الملائم الحديث عن «الحق فى الجمال»، آملين أن تنال دراسة هذا الحق مزيداً من العناية والاهتمام فى كليات الحقوق، وأن تضع جهة الإدارة نصب عينيها كفالة هذا الحق. فما أحوجنا إلى الإحساس بالجمال فى العصر الحالى!!!