«صباح»: «مابقدرش أجرى من بتوع البلدية»
«صباح» بائعة كوفيات أمام محطة مصر
هواء شديد يلفحها، تجلس أمام محطة مصر للسكة الحديد منكمشة، ملابسها الخفيفة لا تكفى لمقاومة البرد الشديد، تضع أمامها بضاعتها من الشرابات والكوفيات الصوف والطواقى ولا تملك سوى الدعاء بأن يفتح لها الله أبواب الرزق حتى تعود بما يكفيها، من إمبابة وحتى محطة رمسيس تأتى صباح بندارى، يومياً، تجاهد من أجل كسب لقمة عيش تكفيها وأولادها بعد وفاة زوجها: «والله من البرد لا بقدر أفتح بقى ولا أنادى على البضاعة.. ربنا شايف ومطلع».
35 عاماً منذ وفاة زوجها وهى تجلس على حافة الرصيف أمام الشنط التى تحوى بضاعتها، زحفت التجاعيد إلى وجهها وتساقطت بعض أسنانها وتعدى عمرها الـ75 عاماً، وما زالت تعمل بدون راحة: «لو قعدت مين هيصرف عليَّا وعلى عيالى، دول 4 غلابة ملهمش غيرى».
تخرج «صباح» يومياً من منزلها فى شارع البصراوى بإمبابة، تتجه إلى منطقة العتبة لتشترى بضاعتها من تجار الجملة، ثم تتجه إلى مستقرها فى شارع رمسيس، حيث الزحام الذى ربما تعثر فيه على زبائنها: «بشيل الشنط على دماغى وبمشى بيها مسافة طويلة، ناس كتير عارفانى بقعد فى المكان ده وبيشتروا منى، بس أكتر حاجة بتضايقنى لما حد يشترى منى وهو مش محتاج لمجرد إنه عايز يساعدنى عشان أنا ست كبيرة وقاعدة فى الشارع».
كل أولادها «أرزقية»، ليست لهم وظائف مستقرة، يعملون يوماً ويتوقفون عن العمل أياماً: «والله أنا ساعات بصرف على اللى قاعد فيهم، أعمل إيه العيشة غالية ومحدش عارف يكفى نفسه»، ما يتبقى من بضاعة لم تبع تضعها «صباح» فى أحد المحال المجاورة للمكان الذى تجلس فيه: «ولاد الحلال بيصعب عليهم الشيلة اللى بروح وآجى بيها، فبياخدوها منى لحد تانى يوم من غير ما ياخدوا منى فلوس».
«القلب، السكر، الضغط، وخشونة الركبة»، مجموعة من الأمراض استقرت فى جسد المرأة العجوز تحتاج إلى الراحة فى المنزل لكنها لا تجد الراحة: «والله بنزل الصبح على ملا وشى عشان ألحق الناس، لا بفطر ولا باخد الدوا، وساعات من كتر تعبى بجر الشنطة عشان مش قادرة أرفعها من على الأرض». لا تسلم «صباح» من رجال شرطة المرافق الذين يأخذون ما تقع عليه أيديهم من بضائع، ولأنها امرأة ومسنة ولا تقوى على الجرى ببضاعتها مثلما يفعل الباعة الجائلون دائماً ما تصادر بضاعتها: «مليش حد أستند عليه إلا ربنا». لا تتمنى شيئاً سوى كشك صغير تفرش فيه بضاعتها وترحم نفسها مما تتعرض له فى الشارع.