توجس الناس خيفة، بعد قرار الحكومة باستخدام الكارت الذكى فى الحصول على البنزين بعدد من المحافظات، خشية مواجهة قرار حكومى جديد برفع أسعار الوقود، ورغم محاولات الحكومة المستميتة لطمأنة الناس، فإن القلق ما زال مستمراً، خصوصاً بعد التصريح الصادر عن شعبة المواد البترولية، ونقله موقع «المصرى اليوم»، وجاء فيه أن الزيادة المقبلة فى أسعار المواد البترولية قد يتم تطبيقها فى شهر مايو المقبل، وكشفت الشعبة أن تكلفة إنتاج لتر البنزين اثنان وتسعون جنيهاً، ارتفعت بعد قرار تعويم الجنيه.
تصريحات عديدة خرجت على ألسنة مسئولين رسميين، نفت وجود نية لزيادة أسعار المواد البترولية فى الوقت الحالى، لكن أغلب الناس تعاملت معها دون اكتراث، ليس بسبب ضعف الثقة بين الحكومة والمواطن وفقط، بل بسبب عبارة «فى الوقت الحالى»، فهى عبارة عائمة «تنفى نفى» الحكومة، ونفى النفى كما تعلم إثبات!. تصريحات من هذا النوع تعنى ببساطة أن موضوع الزيادة مسألة وقت ليس إلا. قد يقول قائل إن الحكومة أعلنت غير مرة أنها تتبنى خطة تدريجية لتحرير سعر البنزين والسولار خلال السنوات المقبلة، هذا الكلام صحيح، لكن البدء فى تطبيق نظام الكروت الذكية فى الحصول على البنزين، رغم أن عملية استخراجها بدأت منذ شهور عديدة، أمر يثير القلق، من زاوية أن الحكمة الإدارية التى قدمتها لنا الحكومة وهى تستحثنا على إخراج كروت البنزين، تتمثل فى تحديد الحصة الاستهلاكية للمواطن، وتحديد الحصة الاستهلاكية يعنى أن الحكومة تحاول الاجتهاد فى تحديد متوسط عام لعدد اللترات التى يجب أن يحصل المواطن عليها بالسعر المدعوم، ليشترى ما عداها بالسعر الحر، والسؤال الذى يطرحه الكثيرون ترتيباً على ذلك: هل يعنى «تكريت» الحصول على البنزين التفكير فى «تحرير» سعره خلال فترة قريبة؟. التصريحات العائمة للمسئولين تفتح الباب واسعاً أمام الاحتمالات. ويبدو أن تصريحات الحكومة أصبحت من جنس سياستها التى ترتكز على فكرة التعويم!.
منح المواطن «الملاكى» حاجته من لترات البنزين، ليشترى ما عداها بالسعر الحر، أمر عادل ولا غبار عليه، لكن الحكومة لا تقدم -فى الأغلب- عسلاً خالياً من الطحينة، الطحينة فى هذا الموضوع يمكن أن تظهر فى شروط يصح أن تحددها الحكومة للمستحقين لدعم الوقود، جرياً على الشعار اللطيف الذى ترفعه والمتمثل فى وصول الدعم إلى مستحقيه. على الحكومة أن تتعامل مع المواطن بالدرجة المطلوبة من الصراحة والمباشرة، دون لف أو دوران، وليتها تتعلم من تجربة «التعويم» ضرورة الدراسة المتأنية للقرارات قبل اتخاذها، وتحسب الآثار الجانبية المترتبة عليها، وتتخذ من التدابير ما يمكنها من تقليل النتائج السلبية للقرار، ليتها أيضاً تنتهج نهجاً واقعياً فى صناعة القرار، وتفهم أن الإصلاح الاقتصادى لا يعنى مجرد ترتيب أرقام على أوراق، على طريقة نجيب الريحانى فى فيلم «أبوحلموس»، بل تعامل ناجح مع واقع، ولكى يفهم أى مسئول حكومى واقع الحياة فى مصر اليوم ليس عليه سوى أن يتجول فى أحد الشوارع ويتأمل وجوه المصريين، وسيجد أنها تقول الكثير!.