أصابنى الحزن الشديد، حينما رأيت شركة النصر للسيارات فى حلوان، شعرت بأن جدرانها تكاد تبكى من الخراب الذى وصلت إليه وهى كانت أول شركة لـصناعة السيارات فى مصر والشرق الأوسط.
أسسها الرئيس عبدالناصر عام 59، لتجميع السيارات فى البداية، ثم لتصنيع أول سيارة مصرية خالصة، وذلك ضمن مشروع القيادة المصرية حينذاك «من الإبرة إلى الصاروخ»، الذى كان يهدف إلى إنشاء نهضة صناعية كبرى فى مصر والوطن العربى، وما حدث مع النصر للسيارات حدث مع مصانع الغزل والنسيج والأدوية والحديد والصلب والأغذية وما زال يحدث مع كل الصناعات المصرية، وهو تدمير متعمد لصالح مافيا الاقتراض والاستيراد، كل مصنع يُغلق فى مصر يتم تشغيل نظيره فى الخارج، وكل عامل مصرى يتشرد، يتم تشغيل عامل فى الخارج وكل سلعة مستوردة تتسبب فى كساد سلعة مصرية، أتمنى أن يكون 2017 هو عام الصناعة، لأنها هى التى تحقق النهضة للدول والرفاهية للشعوب وترفع من قيمة العملة المحلية فى مواجهة العملات الأجنبية، الصناعة هى التى تقضى على البطالة وتمنع الجريمة والإرهاب وتُوفر السلع والنقد الأجنبى وتُخفض الأسعار، الصناعة هى التى ترحم أبناءنا من مذلة العمل فى الخليج وتنقذهم من الموت فى البحار والمحيطات، وهم مهاجرون بطريقة غير شرعية، الصناعة هى التى تجعل العالم كله يحترمنا ولا يتحكم فى طعامنا ولا دوائنا ولا وقودنا ولا فى قراراتنا، وهى التى تعالج عجز الموازنة والتضخم وتخفف من وطأة الديون والقروض الداخلية والخارجية، الصناعة فى أيدينا، وليست فى أيدى غيرنا، مثل السياحة والتحويلات الخارجية وقناة السويس، أتمنى أن تترك الدولة للقطاع الخاص مهمة إنشاء الطرق والكبارى والمدن السكنية، فلدينا قطاع خاص متميز فى مجال الإسكان أنشأ مدناً عالمية وحوّل الصحراء الجرداء إلى جنة خضراء (الرحاب ومدينتى نموذجاً) وهو قادر حتى على القيام بمهمة الإسكان الاجتماعى، يجب على الدولة التفرغ لملف التصنيع، وتبدأ بالخمسة آلاف مصنع المغلقة، التى تزداد يومياً بسبب قرار التعويم ومشاكل المواد الخام والبنوك والجهاز الإدارى، الدولة أنفقت مئات المليارات على الكهرباء والطاقة يجب توجيه ذلك لخدمة الصناعة حتى يكون هناك عائدٌ كبيرٌ على الناتج القومى، معظم رجال الصناعة لا يشعرون فقط بتجاهل الدولة لهم، بل بمحاربتهم أيضاً، فى ألمانيا من يقترض لإنشاء مصنعٍ يُنتج ويُوفر فرص عمل يتم إعفاؤه من سداد 50% من قيمة القرض، وفى الإمارات وكوريا الجنوبية استخراج رخصة المصنع فى 24 ساعة، أما فى الصين صفر حيث يتم إنشاء المصنع وتشغيله ثم ترخيصه. هذه أربعة نماذج ناجحة وحققت طفرة كبيرة، أما النموذج الخامس الذى انطلق بالفعل فهو المغرب الشقيق والذى يُسطر حالياً تجربة فريدة فى كل المجالات، لماذا لا نستفيد من تجارب الآخرين الناجحة؟ حل مشاكلنا كلها سوف يكون من خلال الصناعة، ويجب أن تعى الدولة ذلك وتعفى كل مستلزمات الإنتاج من الضرائب والجمارك وعدم تصدير المواد الخام ومنح الأراضى مجاناً لمن ينتج السلع الاستراتيجية والمساعدة فى التسويق، وكذلك تسخير وسائل الإعلام والتعليم لخدمة الصناعة مشروع مصر القومى، ونحن لدينا كل مقوماتها من الأيدى العاملة الرخيصة والموارد والموقع الجغرافى والقوى الشرائية التى تتهافت عليها كل الدول، 2017 نتمناه عاماً سعيداً على مصر ولن يكون كذلك إلا من خلال الاهتمام بالصناعة.