كان بإمكان رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء توظيف التعديل الوزارى لنزع بعض فتيل الاستقطاب السياسى بين الحكم والمعارضة عبر تسمية وزراء غير حزبيين وذوى كفاءة وحيادية للحقائب الوزارية المرتبطة بإدارة العمليات الانتخابية، أى العدل والداخلية والإعلام والتنمية المحلية والشباب.
وبينما رتبت استقالة المستشار أحمد مكى تغييراً فى وزارة العدل، استمرت بقية الوزارات المذكورة على حالها، فوزير الداخلية الذى تورط فى انتهاكات منظمة لحقوق الإنسان خلال الأشهر الماضية بقى فى منصبه، تماماً كوزير الإعلام المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين وصاحب الأداء الضعيف والمتورط فى تجاوزات لفظية إزاء صحفيات وإعلاميات.
بقى أيضاً كل من وزير التنمية المحلية ووزير الشباب الإخوانيين، وهما على رأس وزارتين دائماً ما تدخلتا فى العمليات الانتخابية لمصلحة نظام الحكم وحزبه.
ويرتبط شرط حيادية وزراء الحقائب المرتبطة بإدارة العمليات الانتخابية
بمراحل الانتقال الديمقراطى التى لم تستقر بها بعد القيم والقوانين والإجراءات والضمانات اللازمة لنزاهة الانتخابات، والتى لم تتحرر بها
المجتمعات المعنية بعد من إرث الاستبداد الطويل فى تزوير الانتخابات
والتلاعب بنتائجها عبر أدوات مختلفة، من بينها العصف بسيادة القانون وتعبئة موارد الدولة لمصلحة نظام الحكم وحزبه (أو أحزابه)، أما حين يستقر البناء الديمقراطى، قيماً وقوانين وإجراءات وضمانات، فتنتفى ضرورة حيادية مثل تلك الحقائب الوزارية وتصبح نزاهة الانتخابات من مسلمات الوجود المجتمعى والسياسى، وجلىٌ أن مصر اليوم فى مرحلة متعثرة للانتقال الديمقراطى كانت تستدعى تفعيل شرط الحيادية هذا.
أما الفرصة التى وُظفت فى التعديل الوزارى، فتمثلت فى العمل على نزع بعض فتيل التوتر المجتمعى وبعض خطر حالة اللاحكم الراهنة عبر تغييرات تستهدف رفع كفاءة وشفافية الوزارات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ومن ثم ربما الاستجابة على نحو أفضل للتحديات المرتبطة بالأزمات الكبرى التى تعصف بمصر اليوم وللمطالب المشروعة للمواطنات وللمواطنين بشأن تحسين الظروف المعيشية.
ولست من المنزعجين هنا من الانتماءات السياسية أو الحزبية للوزراء الجدد للحقائب الاقتصادية والمالية والاجتماعية، فاختيارهم جميعاً أو اختيار بعضهم من المنتمين لجماعة الإخوان أو لحزب الحرية والعدالة يقع ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية التنفيذية المباشرة، ولا يمكن أن يؤخذ على الرئيس سياسياً أو ديمقراطياً، وبمعزل عن معارضتى له، كونه جاء بوزراء من جماعته، وحزبه يرى هو بهم القدرة على تنفيذ سياساته وتحقيق أهدافه.
هنا ينحصر دور المعارضة، وكذلك قطاعات الرأى العام على تنوع توجهاتها، فى مراقبة أداء هؤلاء الوزراء وتقييمهم ومحاسبتهم بشفافية وفقاً لمعايير الكفاءة والموضوعية، هنا أيضاً لا شرعية للحديث عن الأخونة والتمكين، فالحقائب الوزارية، باستثناء تلك المرتبطة بالانتخابات فى مراحل الانتقال الديمقراطى، شأنها شأن مناصب المساعدين والمستشارين للرئيس ولوزرائه هى تعيينات سياسية دوماً ما يغلب عليها الانحيازات الحزبية والكثير من اعتبارات الولاء، والرئيس المنتخب يحاسب على هذه التعيينات بمعايير الكفاءة والموضوعية، وفى التحليل الأخير هو (فى النظم الرئاسية) الذى يتحمل كامل المسئولية السياسية عنها.
أما عمليات الأخونة والتمكين التى تجرى بالفعل دون خلط للمعايير والتى ينبغى مقاومتها، فهى هذه التى تطال الجسد البيروقراطى للأجهزة التنفيذية والإدارية للدولة وتفرض عليه لون الجماعة وحزبها وتعصف من ثم بقاعدتى حيادية الخدمة العامة وتكافؤ الفرص.
عمليات الأخونة والتمكين بهذا التحديد غير مرتبطة عضوياً بتعيينات الوزراء وغيرهم من السياسيين، حتى إن سهلتها وهيأت لها الأخيرة، بل هى وثيقة الصلة بغياب سيادة القانون والضمانات القانونية لقاعدتى الحيادية وتكافؤ الفرص، ومحصلتها النهائية هى إعادة بناء الاستبداد شأنها فى هذا شأن العصف باستقلال القضاء وقمع حرية التعبير عن الرأى وانتهاكات حقوق الإنسان.