قد يتبادر إلى أذهاننا لماذا تشكل اليابان ثالث قوة اقتصادية فى العالم، والأولى عالمياً فى صناعة الإلكترونيات؟ وقد يسأل أحدهم ما الذى انتشل كوريا الجنوبية من غياهب الظلام قبل أربعة عقود لتتصدر قائمة أفضل 12 دولة فى تقارير التنمية المستدامة للأمم المتحدة؟
يندهش المرء حين يلمس بنفسه أن كل أسباب نهضة هذه الدول ليس سراً، وأننا لا نحتاج إلى وصفة سحرية أو سنوات ضوئية لتحقيق نهضة مماثلة، بل نحتاج إلى إرادة وعزم وإخلاص، وإدارة بنفس مقدامة وفاعلية مستدامة.
دعونا لا نمكث طويلاً بين دفتى التنظير، ونخرج إلى ميادين التفعيل ومعنا خمسة مفاتيح معرفية تمثل صندوقاً للإسعافات الأولية فى البيت المؤسسى الوزارى، نبدأها بـ«المفتاح الرئيس» «Master Key» الدستور المصرى، وليس المقصود هنا اقتناء الوزير نسخة منه كقطعة تذكارية فى مكتبه إنما الوصول إلى استيعاب معماريته، والعمل بروح نصوصه، خاصة الكلمات الثلاث التى تزين مادته الأولى: «المواطنة وسيادة القانون»، ويكفى أن نحترم هيبة القانون أينما حللنا «كأنه يرانا»، ونضع عبارة «انت مش عارف أنا مين!» جانباً، وننظر بعدها للنقلة النوعية التى ستشهدها مصر، بعد أن يكون الدستور هو العقد المحترم المصون بين الجموع كافة، رؤساء ومرؤوسين.
أما ثانى المفاتيح فهو «الدستور التنموى» لكونه أحد مسارات طريق العودة لحضارتنا الزاهرة، حيث «رؤية مصر 2030»، فما بين إقلاع الطائرة التنموية فى مطلع 2016 ووصولها إلى وجهتها فى نهاية عام 2030 ساعات مرتقبة يرونها بعيدة وأراها قريبة بحكم تسارع الزمن والأحداث، حتى نحطّ الرحال على برّ الأمان من خلال تخطيط ومتابعة وشغف بالنجاح، وتقييم مستمر، وفقه إدارة الأزمات والبدائل عبر هذه الوثيقة الدستورية التنموية فى صورتها الحالية أو المستقبلية.
أما المفتاح الثالث فهو الملف الطبى التشخيصى الكامل لصحة الوزير «Medical Record» فى المهارات القيادية الاستشرافية وما دُوّن فيه من نقاط القوة وفرص التحسين، وأهليته للاستثمار فى الفرص، ومجابهة التحديات، ملف طبى بعين مجهرية، وفحص دورى، بحيث يكون بعيداً عن منافذ تجديد الرخص التى تمنحك رخصة القيادة فى دقائق دون الخضوع لأى فحص، فنرى الحوادث تترى. أما المفتاح الرابع فيكمن فى تتبع الأثر وإكمال المسير، وهو «مفتاح الذاكرة المؤسسية-Corporate Memory» الذى يزودك بسجل المشروعات القائمة، والإنجازات ودروس النجاح، وحكمة الإخفاقات، كى تمضى المسيرة بين حقائق واقعية مؤسسية، وليس انطباعات شخصية ذاتية.
لا يمكن للحقيبة الوزارية المعرفية أن يكتمل نصابها دون «مفتاح الهوية المؤسسية» الذى يبيّن السّمتَ المؤسسى للرأسمال البشرى، والمسافة التى تفصلك عن رؤية 2030 والتوظيف الأمثل لأهداف الدولة التنموية، ومستوى التحسين المطلوب فى الخدمات الحكومية، وشركاء النجاح داخل الوزارة وخارجها وصولاً لهوية مؤسسية واضحة المعالم، قد تظهر فى شكل مواطن ريفى بسيط ينجز معاملته فى غضون دقائق معدودة عامرة بحفاوة الإسعاد وبراعة الترحاب، بفكر وزارى ريادى فى الخدمات...لا تقولوا مستحيل!
معالى الوزير.. أشد ما يجعل وزارتك تتقادم وتصاب بالشيخوخة المؤسسية هو الاهتمام بـ«الحقيبة الوزارية» على حساب «الحقيبة المعرفية» بأدواتها المتنوعة ومفاتيحها الفاعلة، وماضيها الحافل بالإنجازات والعِبر والتحديات، وحاضرها المفعم بالاستشراف والاستباقية، لأنها حتماً ستمدّ لك ولفريق عملك يد العون كلما اشتد قيظ الصيف أو صقيع الشتاء، وبعبارة أخرى: قل لى ما مفاتيحك المعرفية الفاعلة فى قيادة وزارتك، أقل لك من أنت؟
معالى الوزير.. ولِّ وجهك شطر المستقبل القائم على واقع به تشخيص دقيق للأمراض والتحديات حيث مهمتك الأساسية هى تقديم الحلول الابتكارية وصناعة الأمل عبر جسر العمل، فلا صوت يعلو صوت النتائج.