فى قضية اقتحام قسم شرطة حلوان، التى وقعت أحداثها بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة، اعتمد أحد المحامين فى دفاعه عن ثلاث من المتهمات بالمشاركة فى الاقتحام على كلام عجيب، ذكر فيه أن السيدات الثلاث لا يصلين ولم يدخلن مسجداً، وأن إحداهن لها سابقة مخدرات، ثم تساءل: كيف يتعاملن مع الإخوان؟!. المنطق الذى اعتمد عليه المحامى يعكس مظهراً من مظاهر الخلل الذى يعيشه الإخوان، وبعض المصريين الذين يطربون لمثل هذا الكلام. أراد المحامى من خلال هذا الكلام أن يسخر من مفهوم المواطن، أو المواطنة الصالحة لدى الدولة والمجتمع، وأن الصلاح من وجهة نظرهما يعنى ترك الصلاة وعدم ارتياد المساجد والتحشيش، وتشهد تجربة الإخوان على أنهم فى حالات المطاردة يلجأون إلى حلق ذقونهم، ولبس الجينز والسلاسل، والجلوس على المقاهى، والتدخين وغير ذلك من طقوس يسخرون فيها من المجتمع الذى يرونه ينظر إلى الصلاح عبر عدسة العربدة.
واقع الحال أن الدولة لا تمنع أحداً من الصلاة. أغلب المصريين مداومون على أداء هذه الفريضة، وحتى من لا يصلون الصلوات الخمس يحرصون على أداء صلاة الجمعة، وليس بمقدور أحد، كائناً من كان، منع مواطن من الدخول إلى المسجد لأداء الصلاة، أما طقس الحشيش فهو طقس مصرى أيضاً يشهد عليه المليارات التى يتم إنفاقها على هذا المخدر. وقد يتورط فى هذه الآفة من يصلى ويصوم ويحج إلى البيت الحرام، فالمصريون خلطة مزاجية تعرف كيف تجمع بين المتناقضات، فتجد أحدهم يستمع إلى القرآن وهو فى قمة التأثر، ثم يلقى بأذنه إلى أغنية تعجبه وهو فى قمة النشوة. هذه الطبيعة الخاصة للمصريين لا يستوعبها الإخوان، ولو أنهم فقهوا الأمور على حقيقتها، لأدركوا أن أصل فشل تجربتهم فى الحكم، ارتبط بإحساس المواطن بأنهم مجموعة تريد التصادم مع ثقافته الراسخة، وتركيبة شخصيته التى تجمع بين الدين والدنيا، وإرضاء الله وإمتاع الذات. ولعلك تذكر أن مشهد «الذقون» المتراصة فى مجلسى الشعب والشورى كان من أكثر المشاهد التى تسببت فى صدمة ثقافية للمصريين.
العبارة التى ذكرها المحامى الإخوانى تحمل رسالة ساذجة ما أكثر ما رددها الإخوان حول أن صلاح المواطن فى مصر يعنى عدم التزامه بواجباته الدينية. والهدف من هذه الرسالة تصوير أنفسهم على أنهم مجموعة من الأخيار وسط طوفان من الضلالية، وأن من يحاربهم يحارب الدين، والدليل على ذلك أن المتهمين منهم فى قضية يصح أن يفلتوا منها إذا أثبت المحامى الموكل عنهم «عدم تدينهم»، وأن مثلهم كمثل بقية المواطنين الصالحين الذين يهملون دينهم ويفسدون فى الأرض!. إنها حيلة تعكس حالة البؤس التى وصل إليها مستوى التفكير لدى جماعة الإخوان، ولدى من يتعاطف مع هذا الكلام الفاسد منطقياً من المصريين. جوهر التدين الحقيقى كما حدده القرآن الكريم يرتبط بمبدأين: «الإيمان والعمل الصالح». والله تعالى يقول: «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ». والنتيجة التى تترتب على الإيمان بالله، هى البعد عن الظلم والبراءة منه: «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ».