هل القضية هى انسحاب أنغام من حفل أشرفت عليه الإذاعة المصرية لإعادة برنامج قديم تحول إلى ما يشبه المؤسسة اسمه «أضواء المدينة»؟ هل القضية تقف عند حدود خلاف على مواعيد السفر أو طريقة السفر أو شكل السفر إلى شرم الشيخ لإحياء الحفل؟ هل الموضوع مجرد خلاف على مقدار «عربون» الحفل أو بقية المستحقات أو توقيت تسلمها؟ هل الأزمة أزمة عقود لم توقع والتزامات لم تنفذ وتذاكر حفل لم تبع وتذاكر طيران اختفت كما قيل وتردد عن حفل أضواء المدينة الملغى قبل أيام فى شرم الشيخ وكان عائده كله ذاهباً إلى صندوق تحيا مصر أم أن للقضية أبعاداً أخرى؟! الإجابة مباشرة أن للقضية أبعاداً أخرى وأبعاداً وأبعاداً..
ربما كان أروع ما قدمه الرئيس السيسى منذ تولى المسئولية فى مصر هى مشروعاته الكبرى وفى قلبها قناة السويس الجديدة وبالتوازى مع المشروعات الكبرى قدم الرئيس أيضاً مشروع الـ200 مليار للمشروعات الصغرى والمتوسطة.. فماذا جرى لها جميعها؟ شنت على المشروعات الكبرى حملة غير مسبوقة لتشويهها بحجج مثل أن الدول تنهض بالمشروعات الصغرى وهؤلاء يتناولون عمداً مشروع الـ200 مليار، وبزعم أن المشروعات الكبرى تستهلك الكثير من الجهد وتعطى عائدات متأخرة ثم توجهوا لكل مشروع على حدة؛ فقناة السويس لم يكن وقتها! وعائداتها انخفضت! والمليون ونصف المليون فدان سيفشل لأن تقديرات المياه الجوفية غير صحيحة! ومشروع المليون ونصف المليون وحدة سكنية للإسكان الاجتماعى مرتفع السعر ولا يصل لمستحقيه! ومفاعل الضبعة ليس وقته! والطرق الجديدة كان من الأولى إصلاح الطرق القديمة! وهؤلاء من حسنى النيات لا يدركون أن المشاريع الكبرى هى قاطرة النشاط الاقتصادى، فمشروع واحد منها كالعاصمة الجديدة مثلاً سيؤدى إلى عودة الروح لمصانع الزجاج والبويات والأدوات الصحية والأسلاك والمصابيح الكهربائية والبلاط والمسامير، فضلاً عن مضاعفة العمل فى مصانع الحديد والأسمنت والسيراميك والمصاعد والطوب والجبس والأخشاب وغيرها وغيرها من مشروعات يعمل بها مئات الألوف من العمال إما سيعودون لأعمالهم أو ستتوسع المشروعات التى لم تتوقف وتستوعب آخرين أو تسدد المزيد من الضرائب ولكنهم تجاهلوا هذا كله بل لم تسلم العاصمة الجديدة نفسها من الهجوم وطالوا الفائدة منها ومن تكلفتها ومن دخان كثيف حول دور الصين فيها وعشرات التساؤلات المشبوهة، وهذا على فرض حسن النية، ولم تكن مصدر هذا كله إلا مصادر مشبوهة لا يراها المصريون وإنما استقبلوا كلامها ورددوه بلا وعى..
أما مبادرة الـ200 مليار جنيه المخصصة للمشروعات الصغيرة ورغم طرحها من الرئيس السيسى ودعمه لها لكن يظل توقفها وحصارها إلى حد إفشالها بالبيروقراطية والروتين لغزاً يحتاج إلى تفسير!
نقفز أشهراً طويلة لنصل إلى يوم افتتاح الرئيس السيسى لمزارع الأسماك بقناة السويس ومع فرحة المصريين بالمشروع إلا أن الجميع فوجئ أن أسعار السمك تحديداً تقفز بشكل غير مسبوق وغير مبرر فى اليوم التالى مباشرة لافتتاح المزارع!!! وكأن فى الأمر أيدى خفية كانت جاهزة لترد على الافتتاح فى اليوم التالى له وهو ما يأخذنا إلى أسوان بعدها بأسابيع وإذ بالرئيس السيسى يصارح الناس بإمكانيات مصر كدولة فقيرة.. وهى بالفعل فقيرة الإمكانيات بشروط اللحظة التى قيل فيها الكلام.. حتى لو كانت إمكانياتها كبيرة لكننا أمام دولة كثيرة السكان قليلة الموارد أو مواردها غير مستغلة والنتيجة واحدة.. الا أنه فى اليوم التالى مباشرة لكلام الرئيس تفجرت قضية سيارات رئيس البرلمان بملايينها الـ18 وكأن هناك من أراد الربط بين كلام الرئيس وبين إنفاق البرلمان ليحدث التناقض فى عقول الناس ويدفع بتساؤلاتهم وكيف لدولة تفتتح مزارع سمكية وأسعاره هكذا وكيف لدولة فقيرة برلمانها يشترى سيارات بهذا الرقم!!!
قبلها والكل يعرف كيف تفجرت قضية الإيطالى «ريجينى» أثناء انطلاق العلاقات المصرية الإيطالية فى آفاق غير مسبوقة من التعاون وكيف تفجرت الطائرة الروسية فوق سيناء فى ظل استعادة العلاقات المصرية الروسية لمستواها القديم واقتربت مما كانت عليه فى الستينات وبعدها رصدنا كيف تم الدفع بأحد الممنوعين من دخول البلاد المقيمين فى ألمانيا لمحاولة الدخول إلى مصر فى ظل انطلاق المشاريع الألمانية، خصوصاً فى الكهرباء والطاقة ليتم منع المذكور من دخول البلاد وتتلقف بعض المنظمات القضية وتشعل منها النار فى الإعلام الألمانى ليتم إفشال التعاون المصرى الألمانى، وبينما تستعيد منظومة التموين مكانتها فى حياة المصريين نجد أزمات الأرز والسكر فى بلد ينتجهما بما يذهل الملايين ويجعلهم يضربون أخماساً فى أسداس، خصوصاً بعد ملاحقة أزمة حليب الأطفال لهم ثم نكتشف وجود مصنعاً لإحدى الشركات لم يمد يده لمساعدة أطفال مصر لكن يتم الإعلان عنه عند بداية العمل والتأسيس لمصنع الجيش لتوفير السلعة ذاتها لأطفال مصر!
وبينما حياة الناس نجد من يتلاعب بها نجد أيضاً من يقول إنه لا يمكن الاكتفاء بذلك بل لا بد من تفكيك المجتمع كله والتخلص من قيمة والإجهاز عليه تماماً فتنحرف الدراما بعد التعليم والإعلام أكثر وأكثر عن السابق فتصل إلى حد غير مسبوق من البذاءة والإسفاف والسقوط والانحطاط والانحلال فلا الأسرة المصرية كما تقدمها الأعمال الدرامية ولا ذوق المصريين انحط إلى هذا الحد وتكفى بروموهات وإعلانات بعض المسلسلات والأفلام لتكفى وحدها بما فيها من ابتذال ووقاحة لتدمير أمة بكاملها وليس الأطفال فقط ولذا نجد تصاعد حدة التحرش الجماعى والغش الجماعى والجرائم الغريبة عن مجتمعنا وبذلك كان لا بد أن نجد من يقول إنه لا بد أن تغيب القوة الناعمة المصرية عن المشهد وأن يغيب الإعلام الوطنى عن المشهد وكان لا بد أن يتم استهداف حفل شرم الشيخ، وقد رأينا كيف بذلت السيدة أمل مسعود نيابة عن الإذاعة ومعها بالإشراف المباشر السيدة نادية مبروك، كل الجهد إلى حد القتال مع جهات ومؤسسات خاصة وعامة لتوفير الدعم لاحتفال يعيد فكرة قديمة للوجود ويدفع بأموال لصندوق الخير «تحيا مصر» ولم يتقدم للمساعدة إلا رجل الأعمال منصور عامر وعدد من مسئولى «تحيا مصر»، بينما تسبب آخرون فى تعطيل وشلل المشروع، نقول كان لا بد أن يفشل حفل الإذاعة وتتحقق عدة أهداف منها أن تفشل أى عملية لاستنهاض القوة الناعمة المصرية، ومنها أن يظل الإعلام الرسمى الوطنى بعيداً عن المشهد، ومنها أن تسقط الرموز التى ساهمت فى أعمال وطنية عند كل لحظة استدعاء وطنى كحالة الفنانة أنغام مثلاً، ومنها أن لا تدخل أموال إلى صندوق «تحيا مصر»، وكل ذلك تم بحجر واحد!
الإذاعة وماسبيرو كله وأنغام وصندوق «تحيا مصر» ومنصور عامر ومصر للطيران جميعهم ضحايا ما جرى.. لكن ليس هذا سؤالنا.. سؤالنا هو: كيف جرى ما جرى؟ ومن يخطط ويدبر ويستهدف المصريين فى الخفاء ليجرى كل ما يجرى؟ هذا هو السؤال اللغز.. كيف الحل إذاً؟ وكيف نواجهه؟ لذلك مقال آخر.. إن شاء الله.