اعتاد المصريون على تبادل التهانى بالأعياد، واعتاد الأقباط على تلقى التهانى بالعيد من أشقائهم المسلمين فى عيد الميلاد الذى يناسب السابع من يناير من كل عام، وعيد القيامة الذى يأتى فى يوم من شهرى أبريل ومايو وهو العيد الذى حدده الأقباط منذ زمن بعيد الاحتفال بشم النسيم فى اليوم التالى له مباشرة بعد صوم يدوم خمسة وخمسين يوماً يسمونه الصوم الكبير. نشأنا منذ الصغر نتبادل التهانى بالأعياد، ويعيش أهالينا فى صعيد مصر حياة مشتركة فتصوم سيدات مصريات مسلمات صيام العذراء مريم الذى يأتى كل عام فى الفترة من السابع حتى الثانى والعشرين من أغسطس، وتنعكس أجواء رمضان على الأسر المسيحية التى تعيش هذه الأجواء، كما يشارك الأقباط أشقاءهم المسلمين أجواء الصيام، فلا يتناولون الطعام ولا يشربون الماء أمام الصائمين وذلك من تلقاء أنفسهم.
مثلت الكنيسة الأرثوذكسية، المسيحية المصرية، وعبَّر الأزهر عن الإسلام السنى، واتسمت العلاقة بصفة عامة بقدر كبير من الاعتدال، وتوافرت مساحة مشتركة اعتباراً من ثورة ١٩١٩ أوجدت أرضية بين المؤسستين جرى من خلالها تجاوز أحداث تاريخية وتوترات متراكمة، كما أغلقت الطريق أمام المستعمر الإنجليزى الذى أراد النفاذ من خلال التفرقة بين الجانبين عبر السياسة الإنجليزية التقليدية المعروفة باسم «فرِّق تسُد».
مع لجوء «السادات» إلى ورقة الدين بحثاً عن شرعية مجروحة وشعبية مفقودة، بدأت الطائفية تعرف طريقها إلى مصر وتحث المصريين على تقديم الدينى على الوطنى، وتباعدت المسافة بين المؤسستين، الأزهر والكنيسة وحل التوتر محل السلام إلى أن دفع السادات حياته ثمناً لهذه اللعبة الكريهة التى كادت أن تمزق مصر. جاء مبارك ولم تتوقف سياسات الحشد الطائفى وتباعد أشقاء الوطن كثيراً، كان التباعد نفسياً، وعكس ذاته فى أسماء المصريين الجدد التى باتت تعلن عن الهوية الدينية من الوهلة الأولى، كانت ديانة المصرى فى جيلنا عادة لا تعرف من اسمه الأول بل ربما تحتاج إلى الجد الثالث أو الرابع، أما مواليد ما بعد منتصف سبعينات القرن الماضى فالاسم كاشف عن الهوية الدينية. استمر الحال هكذا وكادت مصر أن تنفجر طائفياً بنهاية ٢٠١٠ إلى أن أطاحت الثورة بنظام مبارك، وقدم المصريون نموذجاً رائعاً فى التوحد الوطنى وتجاوز الطائفية المريرة، قدم المجتمع المصرى دروساً فى الوطنية عندما بادر شباب مصرى مسلم وشابات أيضاً بحمل الشموع والذهاب إلى الكنائس بعد جريمة كنيسة القديسين رفضاً لهذه الجريمة ومشاركة للأقباط فى تحدى الإرهاب.
وفى زمن الإخوان كانت المحاولات المستميتة لتذكير المصريين باختلافاتهم الدينية، فى زمن الإخوان جاءت محاولاتهم تقسيم البلاد دينياً وطائفياً، فى زمن الإخوان باتت الفتنة صناعة نظام، هنا تعالت الأصوات التى تطالب المصريين المسلمين بعدم تهنئة المصريين المسيحيين بأعيادهم الدينية، تم توزيع الأدوار على الطريقة الصهيونية، فـ«العريان» يهنئ ومفتى الجماعة يحرم، والتيارات السلفية تحذر من تقديم تهنئة للمسيحيين بأعيادهم الدينية. وهنا أقول بوضوح شديد إن المصريين المسيحيين يحتفلون بأعيادهم الدينية التى احتفلوا بها منذ قرابة الألفى سنة، احتفلوا بها فى أزمان فرضت عليهم فيها الكثير من القيود، وعدم تهنئة البعض لهم بالأعياد لن تفقدهم شيئاً، وأن الاتجاه العام فى مصر هو الحرص الشديد على العيش المشترك.
رحل الإخوان ومضى زمن الفتنة إلا قليلاً، فقد ضرب التشدد والتطرف قطاعاً من المصريين إلى درجة الإقدام على ارتكاب جرائم انتحارية بحق شركاء الوطن وهم يمارسون عباداتهم وطقوسهم داخل الكنائس، وهم يصلون من أجل أن يحل السلام وأن تسود المحبة، ضرب التطرف قطاعاً من المصريين بحيث إنهم شمتوا فى وفاة عشرات الأبرياء ما بين رجال ونساء، شباب وأطفال وسط صلوات بداية أسبوع الآلام الذى يسبق الاحتفال بعيد قيامة السيد المسيح.
زرع «السادات» الفتنة، رعاها «مبارك» ونشرها الإخوان، ركلهم الشعب من السلطة ولكنهم تركوا آثاراً ثقيلة الوطأة تتمثل فى انتشار التطرف والإرهاب وتغلغله فى قلوب وعقول قطاعات من المصريين الطيبين البسطاء، بقايا فتنة «السادات» وصولاً إلى «مرسى» أصابت قطاعات من المصريين بالعطب فى القلوب والعقول على النحو الذى بدأ فى إسقاط ثماره المرة علينا جميعاً ووصوله إلى الذروة بظهور العمليات الانتحارية فى بلادنا الطيبة.