ربما نحتاج فى كثير من الأحيان أن نتوقف قليلاً.. لنتأمل الأحداث بصورة أكثر عمقاً.. وأكثر دقة فى الوقت نفسه..!
لا شك أن مؤتمر الشباب، الذى عُقد فى مدينة الإسماعيلية هذه المرة يختلف عما سبقه من مؤتمرات.. الأمر لا يعود إلى اختلافات فى تفاصيل البرنامج، أو إلى مكان الانعقاد فحسب.. بل يمتد إلى ما هو أعمق بكثير من ذلك..
لقد كان المؤتمر هذه المرة يتسم بالتنظيم الجيد.. لا أعنى أن التنظيم كان سيئاً فى المرات السابقة.. ولكنه تحسن كثيراً عما كان عليه بالفعل.. فقد بات واضحاً أن خبرة القائمين عليه قد تطورت بشكل ملحوظ عبر المؤتمرات السابقة.
المصداقية كانت حاضرة فى كل تفصيلة وإن بدت صغيرة..
لقد بدأت اللجنة المنظمة للمؤتمر فى استيعاب ما تصبو إليه حقاً.. وبدأت فى تنفيذ أجندتها التى تسعى إليها منذ المؤتمر الأول.. وتحقق الهدف الذى برزت من أجله فكرة المؤتمر من الأساس!
لقد مزج المؤتمر هذه المرة بين مشاعر الانتماء الحقيقية.. متمثلة فى تكريم أبطال حرب الاستنزاف فى حفل الافتتاح.. وبين أفكار الشباب الشيقة عبر جلساته.. وسط نقاش مثمر وفعال بين أصحاب المسئولية ومراقبيهم من الشباب الذى يحمل طاقات متفجرة تنتظر الاستفادة منها قدر المستطاع!
الصورة كلها قد اكتملت بفكرة «اسأل الرئيس»، التى تم إطلاقها قبل انعقاد المؤتمر بعدة أيام.. التى خصص لها جلستين خلال فعاليات المؤتمر نفسه للرد على الأسئلة التى تم توجيهها من خلال الموقع الإلكترونى أو من خلال الحضور أنفسهم.. والواقع أن تلك الفكرة تحديداً ينسب لها الكثير من المصداقية التى اتصف بها المؤتمر ككل.. فقد بات واضحاً للجميع.. أنه لا خطوط حمراء.. وأن الأسئلة كلها قد تمت قراءتها وتصنيفها.. وأن الملفات كلها قد تم فتحها بشفافية وصدق.. حتى تلك الملفات الشائكة.. مثل الإجراءات الأمنية.. أو قضية اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة السعودية.. والمعروفة إعلامياً بقضية جزيرتى تيران وصنافير..!
لقد أثبت المؤتمر أن النظام يزداد خبرة.. ويزداد ثقة، وهو يعترف بأخطائه قبل إنجازاته.. وبدا أن سيادة الرئيس واثق ومطمئن لخطواته نحو الغد.. وفى اتجاه المستقبل!
الطريف أن حجم الانتقادات التى وجهت للمؤتمر هذه المرة كان أقل بكثير من المرات السابقة.. فلم تلبث أصوات الموتورين والمعارضين التى تعودنا عليها أن اختفت حين وجدوا أن الأمر يسير بشفافية مطلقة.. وأن رسائل من معارضين معروفين، مثل المحامى الحقوقى «جمال عيد» قد تمت قراءتها والرد عليها بوضوح شديد..
والأكثر طرافة.. أن نموذج محاكاة الدولة المصرية هذه المرة كان أكثر جودة واحترافاً.. حتى إن الكل قد لاحظ أن سيادة الرئيس والكثير من الوزراء كانوا يدونون ملاحظاتهم طوال عرض النموذج.. بل إن السيد الرئيس قد طلب من المذيعة التى تدير الجلسة أن تسمح لطلبة البرنامج الرئاسى بمزيد من الوقت.. لعرض الأفكار بشكل أكثر وضوحاً.
فى النهاية.. وإن جاز لنا أن نصف مؤتمر الشباب هذه المرة بشىء.. فلن يكون سوى النضج!!
لقد نضج المؤتمر حقاً.. وأصبح تجمعاً شبابياً مثمراً.. ولقاءً حقيقياً بين الشباب والحكومة ربما لا يوجد مثله فى العالم كله.. وإن التجمع كله من أجل تواصل ونقاش جاد للاستفسار والنقد - بل والتصويب أيضاً..
كل مؤتمر شباب ومصر بخير.. رغم أنف الجميع!