منتهى التحدى للنظام بأكمله أن يأتى «إرهابى» على رأس حزب سياسى، تمنحه الدولة شرعية الوجود، ويتحكم فى بوصلة الحياة السياسية من منفاه الاختيارى فى «قطر»، ويحرض على العنف وقتل رجال الجيش والشرطة، ويفرض «ثقافة الدم» على الدولة التى تتهاون وتتسامح مع تاريخه الإرهابى وتتعامل بـ«ميوعة» مع بقائه!.
أتحدث عن الإرهابى «طارق الزمر»، الذى فاز مجدداً برئاسة حزب «البناء والتنمية»، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، رغم أنه هارب من حكم بالسجن 15 سنة فى قضية متعلقة بالإرهاب، ويواجه دعوى قضائية تطالب بإسقاط الجنسية المصرية عنه فى 21 مايو الحالى!.
ورغم أن قانون مباشرة الحقوق السياسية يمنع مَن صدر فى حقهم أحكام جنائية من التمتع بأى حقوق سياسية، أو تبوؤ مناصب من بينها رئاسة حزب، وهو ما يجعل رئاسة «الزمر» لحزب «البناء والتنمية» باطلة، إلا أنه نجح فى إحراج نظام بأكمله.. نظام فرَّط فى الدستور، وترك الحبل على الغارب للأحزاب الدينية لتبث سمومها فى المجتمع، وتؤسس دولة بديلة لحكم «الإخوان» تحكم قرى مصر ونجوعها من الباطن.
لقد تعاملت الدولة مع الدستور وكأنه «بردية فرعونية»، تأخذ منها ما تحتاجه لتجميل المرحلة وتترك الباقى محنطاً، فبقيت المادة (74) من الدستور مجرد ذكرى منقوشة على الجدران تذكرنا بأن هذا الشعب رفض فى 30 يونيو الفاشية الدينية وثار عليها، لكنها ظلت الأقوى والأبقى من إرادة الشعب.. وتنص المادة التى حظرت تكوين حزب على أساس دينى على أنه: «للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون، ولا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى، أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى، أو ممارسة نشاط معادٍ لمبادئ الديمقراطية، أو سرى، أو ذى طابع عسكرى أو شبه عسكرى، ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائى».
وبالتالى بقيت الأحزاب الدينية تنتظر دعاوى قضائية لحلها، ولم تتحرك أى جهة لتفعيل الدستور بخصوصها، حتى جاءت تلك الأحزاب بقاتل «السادات» وزعيم اعتصام رابعة المسلح على رأس حزب شرعى، ليطيح بجدية الدولة فى مواجهة التطرف والإرهاب، ويؤكد أن بعض مؤسسات الدولة تعمل ضد النظام من داخله.
هذا الرجل وقف يتوعد الشعب المصرى بأكمله قبل 30 يونيو بصوت جهورى: «سوف نسحقهم»، وأسقط قناع التقية السياسية التى جعلت «الجماعة الإسلامية» فى السجون ترفع شعار «مراجعات لا تراجعات»، وكان هو وجماعته النواة الرئيسية لما سمى بتحالف «دعم الشرعية» المطالب بعودة المعزول «مرسى» للحكم.. ولا يزال يسعى من داخل هذا الكيان ومن خارجه لزعزعة استقرار مصر.
لكن الدولة تتعامل ببرود شديد مع كتلة النار التى يلعب بها، لا تربط بين زعامته السياسية للحزب والجماعة، وبين ما تشهده البلاد من إرهاب وفتنة طائفية، وتترك «الجماعة الإسلامية» تتخفى بحصانة الحزب لتسيطر على عقول البسطاء وتنشر الفكر «الجهادى التكفيرى» فى المجتمع.
إن كنا نتحدث عن «الإرادة» فقد اختارت الدولة بملء إرادتها أن تصدق «خدعة المراجعات الفكرية» داخل السجون لزعماء الإرهاب، فتمدد الإرهاب واحتل أركان الوطن، حتى تبلور فى «مكتب الإرشاد» الذى انتزع حكم مصر بالميليشيات المسلحة والانتخابات المزورة وإهدار دم الجميع.
ثم اختارت الدولة بملء إرادتها أيضاً أن تخلق الفوضى على الخريطة السياسية بالإبقاء على الأحزاب السياسية، ربما مجاملة للسلفيين الذين ناصروا 30 يونيو فى مواجهة الإخوان، لتكرر خطأ «السادات» الذى أطلق الجماعات الإسلامية لمواجهة اليسار حتى التهمته واغتالته!.
لقد تساءلت ألف مرة: لماذا تبقى الدولة على الأحزاب الدينية؟ ولم أجد إجابة: هل تساعد تلك الأحزاب -ولو معلوماتياً- فى الحرب على الإرهاب فى سيناء؟.. هل ترفض الدولة مواجهتها خشية اتهامها بمعاداة «الإسلام» ممثلاً فى تيار الإسلام السياسى؟.. أم أن هذه الأحزاب هى «نقطة ضعف» النظام؟.
وكأن الدولة تقنن الإرهاب، وتعطيه «الضوء الأخضر» لجمع التبرعات، وتجييش الكوادر والأنصار، متوهمة أنها بذلك تخرج الإرهاب من تحت الأرض للقضاء عليها، رغم أنها تعلم جيداً نظرية «الخلايا العنقودية» التى تتشكل منها تلك الجماعات الإرهابية والتى تفصل كل مرحلة من القيادة عن الأخرى.
والنتيجة أن هذه الأحزاب نجحت -حتى الآن- فى تجميد «الدولة المدنية»، ونمت لها أذرع إعلامية وسياسية عديدة، واستمر الضخ فى شرايين تمويلها بالمال والسلاح وما يلزم من دعم لوجستى موصولاً، وتصدرت رموزها (فى السجن أو خارج مصر) المشهد السياسى والإعلامى.. فماذا لو جاءت لحظة المواجهة؟.
أسباب الصدام أو المواجهة وتوقيتها ليس بيد الدولة المصرية، ولا الشعب، إنها خطوات تتخذ فى «قطر».. ولو حدثت -لا قدر الله- سيكون المشهد أكثر دموية وتطال شظاياه كل مواطن مصرى.. أفلا تشعرون بالخطر؟.
لقد نصبتم «طارق الزمر» زعيماً بختم النسر.. فأين حمرة الخجل؟.. أين الكرامة الوطنية والأحزاب تحكم من قطر؟.