لو كان هناك قانون يمكنه مكافحة الكراهية لكان هناك قانون يضمن تطبيق الحب والوئام والسلام والغرام دون الانتقام، ولو صحت حكاية وقف الكراهية أو حتى تطويقها بالقانون، لأصبحت لدينا ترسانة قوانين كاملة متكاملة كتلك التى نحتفظ بها مثلاً فى أدراج إدارة المرور التى تركت الشارع يضرب يقلب دون قانون أو يحزنون، أو أصبحت لدينا حزمة من النصوص التى نفاخر بها لمنع التحرش وفرض احترام الأنثى فى قلوب الذكور وعقولهم، أو بات فى حوزتنا مجموعة منتقاة من قوانين الاستثمار التى تحرك المياه التى تعدت مرحلة الركود وقفزت إلى حيز الجمود. الخبر العجيب الغريب المريب الذى تفاخر به جهات عدة، وتلوح به مؤسسات باعتباره إنجازاً كبيراً وفتحاً عظيماً يشير إلا أن اللجنة المكلفة بإعداد مشروع قانون مكافحة الكراهية والعنف باسم الدين قاربت على الانتهاء من المسودة الأولى تمهيداً لعرضها على هيئة كبار العلماء لمناقشتها ثم تقديمها إلى مجلس النواب، وقالت المصادر المسئولة والمطلعة والمنهمكة إن القانون الموعود «سيسهم فى الحد من مظاهر الكراهية والتعصب التى تروج لها بعض الجماعات والتيارات المتشددة فكرياً، والتأكيد على قيم المواطنة والتعايش المشترك بين أبناء الوطن»، وعلى لسان منسق مرصد الأزهر الدكتور محمد عبدالفضيل جاء أن مشروع القانون «يحفظ للآخر حقه فى ممارسة شعائره الدينية، ويضبط السلوك المجتمعى، ويساهم فى تصويب الخطاب الدينى بالإجبار»، وأضاف سيادته أن الهدف من القانون هو إرسال رسالة للعالم بأن مصر تكافح الإرهاب على كل المستويات، وأن الأزهر يتعاون مع المؤسسة التشريعية فى البرلمان لوضع حد للكراهية. انتهت المعلومات المتعلقة بمشروع القانون الجديد، وبدأت الدهشة والعجب، فبالإضافة لكوننا شعباً اشتهر بين شعوب الأرض بهواية كسر القوانين، لا لشىء إلا لإثبات الذات وتمجيد العضلات، بالإضافة إلى توليفة مصرية شعبية أشهر من نار على علم اسمها «آهو كده وخلاص!» ونعود إلى الخلاص من خطاب الكراهية ومشاعر الكراهية وثقافة الكراهية التى باتت واضحة وضوح الشمس فى مجتمعنا، فمن لم يرتد كما نرتدى نكرهه، ومن لم يتكلم مثلما نتكلم نكرهه، ومن لم يصل مثلما نصلى وفى الوقت الذى نصلى فيه نكرهه، ومن لم يقد سيارته كما قررنا أن نقودها نكرهه، ومن لم يلتزم بالقالب سابق التجهيز والنمط معد التعليب الذى فرضناه عليه نكرهه، وهلم جرا، وتجدر الإشارة إلى أن معدلات الكراهية ومساحتها وعنفوانها ودرجة تغلغلها ومقدار تمكنها من المجتمع المصرى لم تكن بهذا الشكل الكبير والعميق قبل موجات التديين القسرى التى خضعت لها فئات وقطاعات كثيرة فى المجتمع وبدرجات متفاوتة، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن مشاعر الكراهية -وفى أقوال أخرى عدم قبول الآخرين بمن فيهم من ينتمون للدين نفسه ولكن لا يتطابقون شكلاً وموضوعاً مع مدعى التدين وفى أقوال ثالثة اعتبار الأنا هى الأسمى والأفضل والأحسن وصاحبة الملكية الحصرية لله والجنة- ولدت ونمت وترعرعت فى ظل موجة التديين القسرى هذه، وهى الموجة التى تسللت إلى المجتمع المصرى أيضاً فى ظل وجود مؤسسات دينية عدة معتبرة مثل الأزهر الشريف، ودار الإفتاء، وهيئة كبار العلماء وغيرها من الجهات التى تعتبرها الغالبية مرجعية وحائط صد، وقد اعتبر كثيرون أن سكوت أو سكون -سواء عن رضا أو عن قلة حيلة أو ضيق ذات يد- هذه المؤسسات والجهات على هذه الموجة التديينية أو على هذا الشكل التديينى للمجتمع بمثابة بطاقة مرور خضراء وقبول للمحتوى الجديد للدين، المحتوى الجديد للدين الذى بات واضحاً أنه المسيطر والمتغلغل والمتغلب بين فئات وقطاعات عدة فى مصر يظهر جلياً واضحاً هذه الآونة فى النقاشات المستعرة التى تكشف مكنون الأنفس وما هو محبوس فى القلوب، خذ عندك مثلاً البعض من خريجى الأزهر ورجال الدين -ناهيك عن قطاعات عريضة من المواطنين العاديين- الذين اعتبروا قرار وزارة الأوقاف بمنع مكبرات الصوت فى صلاة التراويح محاولة للقضاء على الدين الإسلامى ومحاربة لعقيدة المسلمين، لم يخطر ببال أحدهم قط أن الصوت العالى، حتى لو كان صوت الصلوات والقراءات والأدعية، ربما يكون مصدر إزعاج لأحد، ولن نجرؤ بالطبع أن نقول إنه ربما يكون هناك شخص غير مسلم ولا يود الاستماع مكرهاً إلى الصلاة، بل والأفظع والأخطر أن يكون هناك شخص مسلم لا يريد الاستماع إلى الصلاة لأى سبب كان، هنا تٌستنفر قرون الدفاع، وتؤجج اتهامات «أنت رميت كتاب الدين على الأرض»، ذلك الاتهام الرهيب المفزع الذى يضع الطفل فوراً فى خانة الكفر وإغضاب الله، ويضع موجه الاتهام فى خانة حامى حمى الدين وصاحب توكيله الحصرى، وقد استمعنا إلى من يدافع عن حتمية إذاعة صلاة التراويح عبر مكبرات الصوت «طبعاً لا تضايقكم أصوات الموسيقى الماجنة والأغنيات الرخيصة التى تروج للدعارة والعياذ بالله»، إنها الثنائية الرهيبة اللصيقة بالتديين، فلو أنت تناقش النقاب، فأنت حتماً تروج للتعرى، ولو أنت تنتقد الدعاء للمسلمين فقط والدعاء على النصارى واليهود فأنت حتماً عميل دسيس حقير، ولو أنت سألت إن كانت حفلات أم كلثوم قد انعقدت فى عصور ما قبل أم ما بعد دخول الإسلام مصر، فأنت حتماً تود أن تعرى ستات مصر وبناتها، أليست هذه كراهية؟! وكيف يمكن لقانون أن يضع حداً أمام كراهية التفكير، وكراهية الاستماع لما يقوله الآخرون وقبول من يختلفون عنا، من يضيئون لنا مصباحاً غير لمبة الجاز التى نعيش عليها منذ نحو خمسة عقود؟ أى قانون هذا الذى سيزرع الحب بديلاً؟ ومن الذى سيطبق القانون؟ ومن الذى سيضع نصوصه؟ ومن الذى سيراقب تنفيذه؟ أليست هى نفس البيئة المصدرة للكراهية؟