يصر الدكتور خالد منتصر على السير فى حقل الألغام، يصر على مواجهة مؤسسات ومنظمات ضخمة تنفق عليها «دول» لتكريس الجهل والخرافة وعبادة «أوثان التراث»، مؤسسات تمتد أذرعها الإعلامية والقانونية السياسية لخنق أى مفكر وحصار أى مجدّد!.. ودكتور «منتصر» لا يملك إلا «العقل» فى هذه الحرب الشرسة التى ترتدى فيها «المصالح» عباءة «الإسلام»، وتتجدّد فيها «الفتوحات الإسلامية» باغتيال العلماء.
فى سلسلة مقالاته بجريدة «الوطن»: (هل هذه حقاً بديهيات دينية؟)، طرح دكتور «خالد» كل الأسئلة المسكوت عنها، وفتح الملفات المختومة بعبارات التفكير الدموية، جعلنا ننزف مجدداً، ربما يوحدنا الإحساس بالوجع بعدما تآكل تيار الاستنارة، وتراجع صوته فى مواجهة «كتائب الحسبة».
سأتوقف مع دكتور «منتصر» فقط حول بعض الآراء الواردة فى مقالاته المتعلقة بشجون المرأة، لأنها همى الخاص، ولأنها نقطة ضعف المجتمع الذى ختنها وحجبها ونقبها وأقصاها فى ركن مظلم حتى لا تؤرقه غرائزه (التى تحتاج أصلاً إلى حبة فياجرا)!.
(لماذا النساء أكثر أهل النار؟): مرافعة دكتور «منتصر» البليغة عن النساء فى رده على هذا السؤال لن تعفيها من الحيرة، من طرح تساؤلات أخطر حول «النوع».. لماذا تعيش المرأة فى مساحة ضيّقة بين الطهر والدنس؟.. مفهوم «النجاسة» هو أحد الأسئلة المحرّمة التى لم يطرحها أحد، واكتفى فقهاء السلف بتختين النساء لإذلالهن وتحميلهن وصمة الخطيئة والعار، وتحويل النصف الأسفل للمرأة إلى «قضية شرف» منظورة أمام «مهووس» قد يغتالها فى أى لحظة!.
كيف يكون «الحيض» مفتاح دنيا الأمومة وحاجزاً وهمياً بين إنسانة وربها فى الوقت نفسه؟.. كيف يكون دليل إدانة على نقص العقل والإيمان؟.. لنتأمل معاً: خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المصلّى، فمرّ على النساء فقال: «يا معشر النساء تصدقن، فإنى أُرِيتُكُنّ أكثر أهل النار».. فقلن: «وبِمَ يا رسول الله!» قال: «تكثرن اللّعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُبّ الرجل الحازم من إحداكن».. قلن: «وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله»؟.. قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل»؟.. قلن: «بلى». قال: «فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم»؟.. قلن: «بلى».. قال: «فذلك من نقصان دينها».
الاستدلال الخاطئ لهذا الحديث هو سبب نصف مآسى المرأة، من «الولاية» التى تعنى فى مصر الترشّح لرئاسة الجمهورية، وقد تعنى فى السعودية «قيادة السيارات».. إلى «الضرب» بزعم أنها «تكفر العشير».
كثير من النساء نجحن فى الخروج، تطهرن بأفكارهن من «الطبيعة» المؤثمة، واستمعن إلى قول الرسول، صلى الله عليه وسلم، حين قال لعائشة: «ناولينى الخمرة (الثوب) من المسجد».. فقالت: إنى حائض. فقال: «إن حيضتك ليست فى يدك».
تحرّرن من لعنة الدنس، تمرّدن على المجتمع الذكورى الذى يصفه «منتصر» بأنه: (يسب بالأعضاء التناسلية للأنثى فقط، ويعتبرها عورة متحركة، ودنساً نابضاً، وغواية بلا نهاية، ورغبة بلا رهبة).
مقالات دكتور «خالد» الصادمة هى «مشروع فكرى» أشبه بصدمة كهربائية للعقل الجمعى المخدر بهلاوس ما يقال إنها: (بديهيات دينية سواء كانت آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو أحكاماً فقهية)، مشروع يعالج أعصاب المجتمع الملتهبة بفعل التكفير والرمى بالكفر والزندقة.. وربما يعالج شعباً تربى على «ثقافة الترهيب»، حتى أصبح مستلباً أمام «ذقون» ترسم خريطة الحلال والحرام طبقاً لمصالحها.
حين تبنّى مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بالإسكان والتنمية، الذى عُقد بالقاهرة 1994، مفهوم «الجندر Genedr» هاجمت الأصوات المتشدّدة المؤتمر، وأشاعت أكاذيب حول أنه يُقنن الشذوذ والإجهاض.. إلى آخر أفكار تهدد سطوة الرجل أو تحطم أسوار الحرملك.
و«الجندر» هو (بنية اجتماعية من الأفكار التى تعرف الأدوار ونظم الاعتقاد والمواقف والصور والقيم والتوقعات للرجل والمرأة).. أى أنه لا علاقة له بالاختلاف البيولوجى أى «الجنس» بينهما.. إنه مبنى على المثل الثقافية والنظم الاعتقادية والتوقعات حول الرجولة والأنوثة فى مجتمع معين.
وفى المجتمعات العربية تتشكل منظومة الثقافة والاعتقاد من «أفكار إرهابية» لكهنة احتكروا تفسير النص الدينى، وخلقوا «ديناً جديداً» لا علاقة له بالقرآن ولا بالسنة.
دين يُسبى النساء، ويستحل فروجهن باسم «الجهاد»، يستحل الأموال والأعراض والأوطان، ويفتح سوقاً للنخاسة كما تفعل «داعش» فتباركه المؤسسة الدينية بالصمت المتواطئ.. وجاء الدكتور «منتصر» ليطعن أنصار هذا الدين فى «أعز ما يملكون»: حججهم الوهمية التى يحكمون بها العالم الإسلامى.
لقد جاءكم «خالد منتصر» بالحقيقة.. فماذا أنتم فاعلون؟!