لست معتاداً على متابعة عمل فنى بعينه منذ بدايته وحتى ينتهى.. الأمر لا يتعلق بالأعمال التى تعرض فى شهر رمضان فحسب.. وإنما يمتد إلى معظم الأعمال التى يتم عرضها على مدار العام..
ربما لا أتحلى بفضيلة الصبر التى تجعلنى أتحمل انتظار الحلقات المسلسلة التى تُعرض تباعاً على مدار أيام طويلة وربما شهور فى بعض الأحيان.. أو أننى لا أملك البال الرائق لأغوص فى أحداث العمل.. فأبدأ فى التفكير الجاد عما إذا كان البطل سينجح أو يفشل فى مهمته.. أو أنها ستتزوج ممن تحب أم لا!
ولكن الأمر هذه المرة يختلف كثيراً.. فالعمل يندرج تحت خانة الأعمال التاريخية التى تتناول واحدة من أحرج سنوات الوطن التى أعشق تفاصيلها.. وإذا أضفنا إليه أنه من إبداعات مؤلف بحجم «وحيد حامد».. فيمكننا أن نعترف أننا أمام تحفة فنية لا يمكن مقاومتها!
الطريف أن الأعمال الفنية التاريخية فى مضمونها لا يفترض أن تهدف إلى السرد التاريخى فحسب.. بقدر ما تهدف إلى خلق خيوط درامية ما من قلب الأحداث التاريخية.. فيمتزج الواقع بالخيال.. ويمر التاريخ فى خلفية الأحداث بدرجات متفاوتة من الوضوح والضبابية.. ليخرج فى النهاية للنور عمل يملك قلوب الناس.. وإن لم يحمل الحقيقة كلها!.
ولكن هذه المرة فالأمر قد اختلف كثيراً.. فقد كان العمل -وأعنى الجزء الثانى من مسلسل «الجماعة»- عملاً تاريخياً كاملاً.. يقترب من التوثيق أكثر من الدراما بكثير.. ويعتمد على خيوط الأحداث الحقيقية أكثر بكثير من اعتماده على أبطاله الذين كان معظمهم من الشباب الواعد!
لقد تمكن العبقرى وحيد حامد من غزل خيوط الحقائق كاملة دون تزييف أو تجميل.. ودون مجاملات من أى نوع لأى طرف.. وكأنه كان يتحرى تاريخاً سيبقى للأجيال المقبلة.. ليكتشفوا حقيقة كل ما يدعى به كل الأطراف الفاعلة فى سياق تلك الفترة!
لقد نجح العبقرى المخضرم فى إحداث الضجة التى كان يبتغيها بعمله.. والتى حدثت لأن الكثيرين من المتحيزين لفصيل أو توجه ما لطالما رفضوا تصديق الكثير من الوقائع السلبية من ذلك الفصيل الذى ينتمون إليه.. ولطالما رفضوا أن يسقطوا صفة المثالية عنهم.. ناسين أو متناسين أن السياسة لم تكن يوماً نقية كما يتصورون..!
نعم.. لقد انضم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر للإخوان المسلمين فى منتصف الأربعينات من القرن الماضى.. بل إننى كنت أعرف أحد أعضاء الجماعة القدامى، الذى توفى منذ سنوات قليلة، كان يقسم إنه كان يراه عند حسن البنا كثيراً قبل الثورة!
نعم.. لقد كان سيد قطب منظِّر الثورة الأول.. وكان عدم توليه منصب وزير فى حكومة الثورة الأولى هو السبب الأساسى لأن ينقلب على الثورة.. لينضم للجماعة ويصبح منظِّراً لها!
نعم.. لقد تواصل «الهضيبى» مع الإنجليز والأمريكان وغيرهما٫0000000000000000 من القوى الاستعمارية ليجد للإخوان مكاناً على مائدة المفاوضات المتعلقة باستقلال البلاد..!
باختصار.. لقد كان الإخوان أقرب لـ«بلطجى» سياسى يزهو بقوته.. ويبحث لنفسه عن أفضل المكاسب على حساب الوطن نفسه إذا لزم الأمر.. دون أن يبحثوا عن مكسب يتعلق بالإسلام ولا بالمسلمين!
ربما كانت الحقيقة موجعة.. ولكنها تظل الحقيقة مجردة.. حتى وإن رفضها البعض!
لقد نجح وحيد حامد أن يقدم للتاريخ ولنا وثيقة تاريخية منظمة عن ذلك التنظيم المشوه.. دون أن يتجنى عليه أو أن يظهر النظام السياسى الناصرى فى صورة ملائكية غير صحيحة!
المسلسل تأريخ سليم جداً.. ربما لن ينال إعجاب الناصريين، ولن ينال إعجاب الإخوان بكل تأكيد.. ولكنه سيظل باقياً للتاريخ.. الذى لا ينسى أبداً!..
شكراً وحيد حامد!