غداً الخميس تبدأ فعاليات قمة دول حوض النيل. هذه القمة ليست مثل ما سبقها من قمم جمعت دول الحوض، فهى تأتى وسط أحاديث تتردّد عن اقتراب إثيوبيا من الانتهاء من سد النهضة، والاستعداد لملئه خلال 3 سنوات كما تعتزم حكومة أديس أبابا.
ومن المعلوم أن السد يستوعب خلفه نحو 70 مليار متر مكعب من المياه، وسوف يؤثر على حصة مصر التاريخية من المياه، خلال فترة الملء. طوال السنوات الماضية ومصر تعتمد على التفاوض كوسيلة لحل هذه المشكلة المعقّدة التى تؤثر على حاضر الدولة ومستقبلها. فى كل مشاهد التفاوض بدت إثيوبيا متعنّتة ومعاندة، تريد أن تدير الملف طبقاً لقناعاتها. المكاتب المسئولة عن إعداد الدراسات الفنية الخاصة بتأثيرات السد على كل من مصر والسودان لم تصل إلى شىء يُذكر حتى الآن. كلام كثير نسمعه حول هذا الملف الخطير، لعل أوضح ما فيه هو المماطلة الإثيوبية إزاء أى مطالب أو تحفّظات يبديها الطرف المصرى على وجه التحديد من السد.
من المؤكد أن موضوع سد النهضة سيكون على رأس أجندة القمة، لكن الملاحظة التى يجب تسجيلها على هذا الموضوع أننا دائماً ما ننتهز فرصة أى اجتماعات أفريقية رسمية لنطرح فيها موقفنا من سد النهضة والتأثيرات الخطيرة التى يمكن أن تترتّب عليه بالنسبة إلى مصر، وفيما عدا ذلك فقد عشنا السنوات الماضية فى متابعة المحادثات الثلاثية بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا للاتفاق على المكتب الفنى المسئول عن إجراء الدراسات المتعلقة بتأثيرات السد، وبعد لأى وعنت كبيرين من الجانب الإثيوبى تم الاتفاق على المكتب الفرنسى. وهو المكتب الذى اشتكى منذ بضعة أشهر من أن إثيوبيا تقدم معلومات ناقصة عن السد، وترفض تصويره بالقمر الصناعى، وأن هذا التعنت الإثيوبى يمكن أن يُعرقل المكتب عن أداء مهمته. نحن أمام دولة تفعل ما تريد، وتقدم من المعلومات ما يوافق هواها، وتحجب ما ترى أن من مصلحتها حجبه. وكل ما نسمعه عن المرحلة التى وصل إليها السد حالياً هى مجرد تكهنات، ويبدو أن إثيوبيا قررت أن تفاجئ دول حوض النيل ودول العالم بالسد، وقد بدأت فى مرحلة ملئه خلال المدة الزمنية التى تقررها، دون اكتراث بالتأثيرات السلبية لذلك على مصر.
نحن بحاجة إلى موقف لا يقل وضوحاً عن الموقف الإثيوبى، فهل نملك ذلك؟. تقديرى أن قمة حوض النيل التى ستبدأ أعمالها غداً فرصة كى نبعث برسالة واضحة إلى حكومة أديس أبابا، ملخصها أن مصر سلكت طريق المفاوضات، لكن بمقدورها أن تسلك طرقاً أخرى، إذا فرضت إثيوبيا عليها، وإذا اقتضت مصالحها القومية ذلك. ماء النيل مسألة حياة أو موت بالنسبة للمصريين، وأسلوب التعامل القائم على «التعويم» مع هذا النوع من الاستحقاقات يضر ولا ينفع، خصوصاً أن تقارير كثيرة تشير إلى أن إثيوبيا أصبحت على بعد أسابيع قليلة من الانتهاء من السد والبدء فى عمليه تخزين المياه خلفه. ملف سد النهضة يحتاج إلى قرارات حاسمة، لأن الاعتماد على أسلوب «التعويم» سيؤدى إلى خسائر لا يستطيع أحد تحمّلها.