السلام عليكم، تحية الإسلام التى تعلمناها فى طفولتنا، هذه الجملة الصغيرة الساحرة تحمل أجمل وأعظم المعانى، والسلام أنواع عديدة؛ فهناك السلام النفسى وهو أجمل المشاعر التى تهب من يملكها السعادة والرضا والسلام العالمى. والسلام من وجهة النظر العسكرية والسياسية، الذى يعنى غيبة الاضطرابات العنيفة مثل الحروب وأعمال العنف. كما أن السلام أحد أسماء الله الحسنى ومعناه الذى سلم من العيوب والنقائص. ويقول علماء النفس إن الذين يتمتعون بالسلام الداخلى لديهم ما يمكن أن نسميه (استعادة التحكم)، الذى يعنى الخروج من المشاعر السلبية والأزمات واستعادة سلام النفس بعد أى موقف يتعرض له الإنسان.
وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٨١ بموجب قرار رقم ٣٦/٦٧ إقرار الاحتفال باليوم العالمى للسلام ليتزامن مع موعد الجلسة الافتتاحية لدورة الجمعية التى تعقد كل عام فى ثالث يوم ثلاثاء من شهر سبتمبر، وقد احتفل بأول يوم للسلام العالمى فى سبتمبر ١٩٨٢، وفى عام ٢٠٠١ صوتت الجمعية بالإجماع على القرار ٢٨٢/٥٥ الذى حدد تاريخ ٢١ سبتمبر يوماً للامتناع عن العنف ووقف إطلاق النار، وفى هذه المناسبة تدعو الأمم المتحدة كافة الأمم والشعوب إلى الالتزام بوقف الأعمال العدائية خلال هذا الْيَوْمَ ويواكب ذلك قرع جرس السلام الموجود بحديقة السلام بمقر الأمم المتحدة مع الوقوف دقيقة صمت، ويشارك رسل الأمم المتحدة للسلام فى هذه المراسم.
وإذا كانت هذه هى طقوس يوم السلام العالمى فإن أشهر الجوائز العالمية خصصت أحد فروعها سنوياً للسلام، وهى جائزة نوبل التى حصل عليها الرئيس السادات ومناحم بيجين، رئيس وزراء إسرائيل، عام ١٩٧٨، تكريماً لهما على ما بذلاه من جهد لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد. ولا ينسى التاريخ حتى الآن مبادرة «السادات» التى أعلنها فى مجلس الشعب عندما أكد استعداده للسفر لإسرائيل وهو ما حدث بالفعل فى ١٩ نوفمبر ١٩٧٧ حيث وصل لتل أبيب وسط ذهول ودهشة عالمية ليتابع العالم كلمته أمام أعضاء الكنيست والتى كرر فيها كلمة السلام عشرات المرات: (حين أبدأ حديثى أقول: السلام عليكم ورحمة الله، والسلام لنا جميعاً، بإذن الله السلام لنا جميعاً)، ويواصل حديثه للشعب الإسرائيلى فيقول: (املأوا الأرض والفضاء بتراتيل السلام، واملأوا الصدور والقلوب بآمال السلام). وقد حصل «السادات» على لقب (رجل السلام) عن استحقاق بعد ما فعل برغم ما تعرض له من أقرب الدول صداقة لمصر.
وعندما نتحدث عن السلام فلا بد أن نذكر أجمل المدن المصرية بل أجمل مدن العالم شرم الشيخ، التى سُميت مدينة السلام، حيث وقّعت فيها أغلب اتفاقيات السلام وعقدت مؤتمراته. ونظراً لأهمية السلام للحياة الإنسانية فقد خرج أغلب الزعماء والحكماء بتعريفات له، وضع كل منهم تجربته بين سطور هذا التعريف فى محاولات لتقريب المعنى الحقيقى له للجميع، ولعل أصدق تلك التعريفات وأجملها ما قاله أحد الحكماء بعيداً عن السياسة والحروب حيث قال: (إن القلب المتمتع بالسلام يرى عرساً فى كل القرى).
وعن السلام قال «عبدالناصر»: (إن الحق بغير القوة ضائع، والسلام بغير مقدرة الدفاع عنه استسلام)، وقال مارتن لوثر: (السلام أهم من العدالة، فالسلام لم يُخلق من أجل العدالة، بل على العكس خُلقت العدالة من أجل السلام)، وقال رونالد ريجان: (ليس السلام انعدام الصراع، بل القدرة على التعامل معه بطرق سلمية)، وقال جون كينيدى: (من الحقائق المؤسفة أن بإمكاننا تأمين السلام فقط بالتحضير للحرب).
وفى القرآن الكريم نجد أن السلم والسلام والإسلام مصطلحات مركزية دعا إليها الله عز وجل ورفع شأنها ووجه الأنظار إليها حيث نقرأ فى سورة البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (٢٠٨).
وفى الكتاب المقدس العديد من الآيات حول السلام؛ ففى أشعياء ١٩: ٥٧ (خالقاً ثمر الشقين سلام سلام للبعيد وللقريب، قال الرب وسأشفيه)، وفى كولوس ٣: ١٥ (وليملك فى قلوبكم سلام الله الذى إليه دُعيتم فى جسد واحد وكونوا شاكرين)، وفى فيليبى ٤: ٧ (وسلام الله الذى يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم فى المسيح يسوع).
أما أجمل إبداعات الفنانين للسلام فهى أغنية أعدت بـ١٦ لغة منها العربية وصورت فى ١٨ بلداً فى العالم من ضمنها مصر واسمها «Love sees no color»، أى الحب لا يفرق بين الألوان، وقد ساهم فى إخراجها ٢١ مخرجاً وآلاف المشاركين من أطفال ومؤدين للرقصات من الـ١٨ دولة، وصاحب هذه الأغنية مطرب إيرانى أصبح بعدها من النشطاء المدافعين عن السلام والتسامح فى العالم ونال عدة جوائز عالمية لدعمه السلام بالعالم، كما قابل العديد من زعماء الدول. وأخيراً لا بد أن أنهى حديثى لكم بالسلام عليكم، متعنا الله به دائماً وأبداً.