أنا والإخوان.. قصة طويلة، قد تتحول إلى «رواية» ذات يوم.. كلانا يعرف الآخر جيداً.. أنا أعرف أنهم «جماعة» تحمل مشروعاً واضحاً يحتمل النجاح أو الفشل.. ولكنه أمر يُحمدون عليه.. وأعرف أيضاً أن لديهم تنظيماً قوياً، لم يُصَب بفيروسات «الانهيار» التى ألمَّت بجميع المؤسسات والكيانات فى عصر «مبارك»، لكنه تنظيم شديد الدقة والالتزام، ضعيف الوعى والتفكير.. وربما يكون مبدأ «الطاعة العمياء» وراء قوة التنظيم وغياب التفكير لدى القواعد.. هذا اجتهادى التحليلى، وهو يحتمل الصواب والخطأ!
أعرف أيضاً أن «الإخوان» بشر يصيبون ويخطئون.. وأعرف أنهم ليسوا حجة على الإسلام؛ فالدين الحنيف لا يعرف «الكهنوت»، وعلاقة العبد موصولة مع ربه دون وسطاء أو كهنة.. لكنهم يحملون أخلاقاً حميدة فى التعامل الاجتماعى والإنسانى، بينما يوظفون فى السياسة قواعد «اللعبة» ذاتها، كما يمارسها كل الساسة فى كل زمان ومكان، بما فى ذلك خوض تفاهمات على طريقة «هات وخد»، وعقد صفقات سياسية يرونها فى مصلحة «الجماعة» ومشروعها.. وهذا حقهم، وليس فى السياسة لوم أو عتاب أو تقريع!
و«الإخوان» يعرفوننى جيداً.. بعضهم أصدقاء.. وبعضهم على اتصال ونقاش.. وبعضهم على «مقاطعة».. كلهم يعرفون أننى أحمل مرضاً اسمه «الصحافة».. المهنة تجرى فى دمى، فتجعلنى بعيداً عن المواءمات والتفاهمات والصفقات.. عانى الحزب الوطنى والنظام القديم فى فهمى كثيراً.. كانوا يتحدثون بلغة السياسة، فأرد بأخلاق وضمير المهنة.. وكذلك الإخوان.. لاعبو السياسة فى مصر يريدون منك عهداً كل صباح: «أنا بتاعكم دون غيركم.. أنا فى جيبكم الصغير».. وإن لم تكن فأنت خصم.. عاش الحزب الوطنى ومات دون أن يفهم أن الصحفى الحر المستقل «مش بتاع حد»، وأن الفلاح المصرى دمه «حامى» وحجمه أكبر من أن يدخل «جيب أحد»!
سألنى أحدهم ذات يوم: «أنت مش بتخاف؟!».. فأجبته ضاحكاً: أخاف من مين؟ ومن إيه؟ أنت بشر لا تقوى على إيذائى إلا بما كتب الله -عز وجل- لى ولك.. أخاف من السجن؟! الزنزانة والتعذيب ابتلاء يؤجر عليه المرء وتكفير عن الذنوب.. الضرب فى الطريق العام؟! عملت حادثة سيارة كبيرة، وتفضل الله علىَّ بتهشيم عظامى، ثم نهضت بعمود فقرى موجوع، وإرادة أقوى مما مضى.. التصفية والاغتيال؟! لست أفضل ولا أعظم ممن ماتوا، لست أعظم من النقراشى باشا ولا الإمام حسن البنا والشيخ سيد قطب وشهدى عطية الشافعى وزكى مراد.. ولست أكبر من السادات ولا أفضل من رفعت المحجوب ولا أشهر من العقاد وطه حسين وأحمد بهاء الدين وإحسان عبدالقدوس ومحمود عوض وأخى الأكبر وأستاذى مجدى مهنا، ثم أردفت: «فى كل الأحوال والمخاطر أنتم الخاسرون وأنا الرابح.. بس وحياتك لما تضربونى بلاش العمود الفقرى؛ لأنه مش ناقص»!
اندهش الكثيرون ولم يندهش د. محمد مرسى حين كنا فى لقاء معه يوم الخميس الماضى فى قصر الرئاسة.. صدمنى تعبير البعض عن مخاوفهم ومطالبهم بـ«تطمينات للإعلام المصرى».. تكلمت بإخلاص مَن يتمنى نجاح الرئيس المنتخب فى مهامه الصعبة، وهنأته بالنجاح، ووعدته بأن نعمل جميعاً لبناء مصر الحديثة والقوية بقيادته، وهذا حق علينا، وواجبنا تجاه الوطن.
غير أننى قلت له بصراحة: «أنا متحفظ على هذا الحوار.. فلا ينبغى أن تخاف سلطةٌ من سلطةٍ أخرى.. فالإعلام سلطة.. والصحافة ضمير أمة ومسئولية كبرى.. وإن لم نكن قادرين على الدفاع عن حريتنا وحماية مهنتنا، فإننا لا نستحق الانتماء إليها.. نحن لا نخشى رئيس الجمهورية ولا الحكومة ولا الإخوان ولا الحرية والعدالة.. وفى رأيى أن الرئيس هو من عليه أن يخشى الصحافة والإعلام، وأن يطلب منا جميعاً تطمينات بالوقوف معه فى تنمية المجتمع وحل مشاكل المواطنين البسطاء».
الغريب أن بعض الحضور امتعض من كلامى، بينما أيده «مرسى» بصدق، بل أضاف عليه بقوله: «أنا أتفق معك تماماً.. لا ينبغى أن تخافوا.. وعليكم عدم الصمت والسكوت على أى فاسد أو مخطئ؛ فهذه رسالتكم وهذا دوركم»!
أروى هذه القصة إجابة عن عشرات الأسئلة التى وصلتنى من قراء أعزاء حول تفاصيل هذا اللقاء.. لكننى أبدأ بهذا المقال سلسلة مقالات أتعبت «سلسلة ظهرى»، ومؤكد أنها تحيركم جميعاً: هل بدأنا بسرعة قصوى فى «الهرولة» نحو السلطة الجديدة بجماعتها وحزبها ورئيسها؟!
غداً نواصل..