(..........................................................................................)
هذا ليس خطأ "كيبوردى" ولكنه وقفة صمت حزنا على حال "الكوميديا" الذى وصل إلى "موتها إكلينيكيا" بعد تدهور مريب فى السنوات الأخيرة، وذلك بعد عملية اغتيال "ناجحة حتى الآن" أصابتها فى مقتل!
نعم هى عملية اغتيال مكتملة الأركان استهدفت أهم ما يميز الفن المصرى، فالعمل الكوميدى علامة مسجلة وظل طوال تاريخ السينما والدراما والمسرح "بضاعة مضمونة"، فصناعة عمل كوميدى هى دائما "الحلوى" التى يُقبل عليها الجمهور ليزداد انتعاشا، حتى إن أى عمل ضعيف كان يتم زيادة جرعة "الكوميديا" به لضمان رواجه ونجاحه.. ولكن مؤخراً بدأ انهيار مفاجئ لهذه الصناعة التى أصبحت تفرز "كوارث فنية" تحت عنوان الكوميديا، لتتحول فجأة من ضحكات حتى البكاء، إلى بكاء من كم سوء ما يتم مشاهدته، لتكتشف أنك أمام أعمال تنتحل صفة الكوميديا "صناعة بير السلم"!
قد يتوقف اندهاشك عند هذه النقطة، ولكنه سيتضاعف عندما تجد أن أبطال هذه النوعية هم النجوم الكبار.. نجوم مختومون بختم الكوميديا وملايين الشهود.. نجوم وظيفتهم الإضحاك، فبمجرد سماع أسمائهم تضحك قبل أن تشاهدهم، وبالطبع نجوم كبار تعنى شركات إنتاجية كبرى، وهذه هى الكارثة الحقيقية.. فأنت تشاهد ملايين الجنيهات تطير فى "عبث" قد يحمل أى عنوان فى الدنيا إلا "الكوميديا".
تبحث عن الكوميديا الحقيقية فتجدها توقفت دراميا عند "راجل و6 ستات"، و"الكبير الجزء الرابع"، أما السينما فتوقفت الكوميديا بها بعد توقف مولدات "أحمد حلمى"، ليهبط المنحنى بعد ذلك ويصل لأدنى مستوياته ونقع فريسة لمسلسلات "الاستظراف" و"السخافات"، بل وصل الأمر لـ "البذاءات"، كل ذلك مغلف بإنتاج ضخم و أسماء كبيرة على المستوى التمثيلى والإخراجى، ليظل المشاهد يتابع مذبهلا يضرب كفاً على كف، حتى تنتهى الحلقة وهو يقول "إيه السخافة دى"؟!
انهيار "الزعيم" هو أحد أهم الكوارث الكوميدية فى السنوات الأخيرة، فنجم بوزن وثقل "عادل إمام" يصيبك بالدهشة وأنت تشاهد مسلسلاته كل عام، تكاد تكون خالية من "الضحكة" مع سيناريو "مهلهل" ومشاهد ملفقة لمحاولة صنع موقف كوميدى فى محاولة لـ "زغزغة المشاهد بالعافية"، وهو الأمر الذى لا يفلح، إضافة لاختياره من يشاركونه مسلسله كل عام من فنانين جاءوا فى "سبوبة" ضحك، على اعتبار أن "أى حاجة جنب عادل إمام هتضحك"، وهم ليس لهم علاقة من قريب أو من بعيد بالمهمة التى جاءوا لها، ما يجعلك تتعجب من اختيارات رجل صاحب تاريخ ومشوار فنى طويل وعظيم، ومدى حكمه على جودة السيناريو، فالإصرار على مؤلف واحد يقدم معه كل أعماله يفقده بريق الإبداع والتنوع، وكذلك الإخراج.. فالابن لا يغامر ويستخدم كل طاقته وموهبته ويوظفها فى وضع والده فى "منطقة الأمان".. والجديد أنه منتج المسلسل القادم!
تعوَد الجمهور أن يهرب إلى "عادل إمام" عندما يبحث عن كوميديا قوية وحقيقية، لكن للأسف أصبح كل مرة يطلب فيها "الزعيم" يجده "خارج نطاق الخدمة"!
لطمة كوميدية أخرى أخذها الجمهور وهو يشاهد رحلة "دنيا سمير غانم" وأصدقائها فى "اللالا لاند"، فصناعة عمل بُنيت من الأساس على استغلال اسم فيلم سينمائى أجنبى أثار الجدل، ورحلة فى جزيرة بتايلاند بمجموعة من الممثلين مصنفين فى خانة الكوميديا بفكرة ساذجة، وارتجال 30 حلقة منتحل صفة سيناريو وحوار، إضافة لمخرج تفرغ فقط لمشاهدة نجومه المفضلين مع استغلال نجاح "دنيا" وارتباط الجمهور بها وثقته فيها، كل ذلك كان كفيلاً بالسقوط المدو، وللأسف الشديد هذا السقوط سيُسجل باسم "دنيا سمير غانم"، فهى ترتكب نفس الخطأ أيضاً بتمسكها بنفس المنتج ونفس "الشلة"، وهو ما تسبب فى تحجيم طاقاتها التى تملكها، فـ"دنيا" متعددة المواهب تمتلك سحر خاص يربط بها المشاهد، وقدراتها الخاصة تجعلها الأولى بلا منازع، ولكن.. إدارة الموهبة أهم من الموهبة نفسها.
ومن لطمة لصدمة يأتى "أحمد مكى" بعد أن خلع عباءة "الكبير" التى لم يخرج منها منذ ظهوره على الشاشة، وهو دافع أكبر لإقبال الجمهور على المشاهدة، فالفضول فى رؤية ما سيقدمه "مكى" بعيدا عن "الكبير" كفيل أن يحقق كثافة عالية، خاصة وأنه تعمد إخفاء تفاصيل المسلسل وفكرته وكل ما يخصه.. فقط ترك عنوانه من الإيفيه الشهير "خلصانة بشياكة" ليجعلنا منتظرين مفاجأته، خاصة وأن قوة أداء "مكى" وإبتكاره للأفكار والشخصيات تجعلك فى وضع الاستعداد للمشاهدة بشكل عفوى، ولكن يبدو أنه هذه المرة تخطى مرحلة الابتكار إلى مرحلة الخيال الـ "لا علمى" فما فعله "مكى" بجمهوره باختصار أنه استدرجه آمنا ثم ضربه بكل قوته على رأسه، ليجعل المشاهد يصاب بدوار مما يراه، فلا فكرة ولا قصة ولا مضمون ولا ترابط ولا كتابة ولا إخراج ولا حتى تمثيل، فقط تغرق فى خيال "مكى" الذى وضعه فى وضع سيء جداً يُصعب عليه مهامه المقبلة، لتنتهى هذه المهمة وهى "خلصانة بفشل وخيبة أمل"!
لا يختلف الحال كثيرا بالنسبة لـ"ياسمين عبدالعزيز" التى عادت للدراما بعد غياب طويل، فقدمت "معافرة كوميدية" فى 30 حلقة تحمل اسم "هربانة منها"، وكأن اسم المسلسل يصف الحالة التى تمر بها، فللأسف أدوات "ياسمين" وقدراتها على الإضحاك أو حتى "الشقاوة" هربت منها، فلم تعد كما كانت وأصبحت منذ فترة تكرر نفسها بشكل ملحوظ، بنفس الأسلوب ونفس الطريقة إلى حد الملل، لتتوقف عند خط لا تستطيع عبوره، لتشعر أنها "جابت آخرها"، والدليل هو فشل أفلامها الأخيرة، لتحمل هذا الفشل إلى الشاشة الصغيرة فى عمل الفائز الوحيد منه هو "مصطفى خاطر".
تلك النماذج السابقة من الإرهاصات الكوميدية بجانب ما يقدمه "بيومى فؤاد" من تكرار قص ولزق كشف محدودية أدائه، ومحاولة "أحمد رزق" للتواجد، ولقاء السحاب بين "أحمد فهمى وأكرم حسنى"، واختفاء فيلم "هنيدى"، وقبلهم ضياع "محمد سعد" ببرنامج "وش السعد" الذى دمره، وتقمص بعض الفنانين شخصية "الكوميدى"، بالإضافة لما قذفه "اليوتيوب" على الشاشات ممن يقدمون برامج صُنفت كوميدية، والتى يناسبها أن يُكتب عليها تحذير "خطر .. تدمر الصحة وتسبب الوفاة"، يؤكد أننا أمام عملية لاغتيال الكوميديا تمت بشكل "عشوائى" فكانت الخسائر فادحة.
المسئول الأول عن الوصول لهذا المستوى هى شركات الانتاج التى تقوم بالصناعة، فمهمتها الأولى هى اختيار مكونات عمل جيد على رأسها التأليف، فوجود "ورق" يحمل مجهودا فى الفكر والكتابة سيقدم عملا يحترم من يشاهده، وليست مجرد أفكار وإطار عام يتم الارتجال والـ "تصرف" من خلاله، وكذلك اختيار مخرج يملك "حسا كوميديا" هو أحد الأعمدة الرئيسية للعمل، وهو ما سيوفقه فى اختيار الأبطال المناسبة .. إلا أن ما يحدث هو أن الشركات سلمت نفسها للعملية التجارية فأصبح المهم هو وجود النجم الذى سيتم البيع باسمه، ويتم أخذ توقيعه منفردا قبل اختيار فكرة العمل الذى سيقدمه حتى، وأصبحت العملية تدار بـ"رأس" النجم، من فكرة وكتابة وإخراج، ومنهم من يتدخل أيضا فى المونتاج ويحذف من مشاهد النجوم المشاركة له فى العمل، لتسمعها بصوت الراحل يوسف وهبى "يالَ المهزلة الفنية"!
الحقيقة أن عملية اغتيال الكوميديا بدأت منذ أن تغير اسمها ووصفها من كوميديا إلى "ألش أو قلش" – حتى الكلمة ليس لها معالم ثابتة - و"سف" وكل ما يغير هوية الضحك، وتحولت الكتابة الكوميدية إلى نقل النكات والقفشات من "فيس بوك" وصناعة مشاهد ملفقة منها، وأصبحت العملية تدار باستهتار واستسهال وصل بها إلى حد التدنى، منذ أن ظهر وجه آخر للكوميديا قدمه المدعو "باسم يوسف" فى حلقات برنامجه، والتى أسست لشكل جديد من الضحك يعتمد على الخروج عن الآداب والأخلاق التى نشأنا عليها، والوصول بها لأدنى مستوى من الإيحاءات والإسقاطات البذيئة، والتلوث البصرى والسمعى، وللأسف خرج من عبائته فريق يحمل نفس الفكر والهدف، وانتشر في الساحة الفنية، وتقديم ما تُدعى بـ"البرامج الكوميدية" لتُحاصَر الكوميديا ويتم اغتيالها مع سبق الإصرار والترصد، دون أن تجد من يحميها ويدافع عنها أو ينقذها.
إنها عملية اغتيال الكوميديا التى أودت بها إلى موت إكلينيكي.. لكنها ما زالت تنبض فى انتظار من يعطيها "قبلة الحياة".