ما زلت أذكر منذ عدة أعوام.. حين حاول أحد «الجهاديين» المنتمين إلى تنظيم القاعدة الصعود على إحدى الطائرات المتجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو يحمل متفجرات داخل حذائه الذى يرتديه.. لقد تم كشفه بالصدفة البحتة وقتها، فلم يتمكن من تنفيذ مخططه بتفجير الطائرة.. ولكن محاولته لم تذهب هباء.. فقد كان ثمنها أن أصبحنا ننزع الحذاء عند التفتيش فى مطارات العالم كله من وقتها وحتى الآن!!
الأمر لم يختلف كثيراً بعدها.. فقد كان الثمن لمحاولة حرق جريدة شارلى إيبدو الفرنسية بعدها بأعوام هو المئات من حالات التحرش ضد المحجبات فى أوروبا بالكامل.. أذكر ما ذكره لى صديقى الذى يعيش فى ألمانيا كيف أن زوجته أصبحت تخشى ركوب المترو لشهور!.. بل وكيف أنهم قد توقفوا عن الذهاب إلى ذلك المسجد الصغير الذى يقع فى نهاية البلدة التى يعيشون فيها هناك.. بعد تهديدات متعددة بحرقه من متطرفين ألمان!
التطرف يؤدى إلى تطرف مضاد.. إنها تلك الحقيقة التى يعرفها الجميع.. إلا ذلك الجهادى الذى يظن أنه ينفذ مهمة مقدسة!.. والشاهد أنه فى كل مرة يحاول أحدهم أن ينفذ عملاً إرهابياً فى أوروبا أو أمريكا بزعم محاربته للكفر ونصرة الإسلام.. لا ينتهى الأمر إلا بالمزيد من الاضطهاد للإسلام وللمسلمين أنفسهم.. وفى كل مكان!.
هذه المرة أيضاً لن ننتظر طويلاً.. فما حدث فى برشلونة -تلك المدينة الصاخبة الشبيهة ببرج بابل من كثرة الجنسيات التى تزورها- لن يمر مرور الكرام..
فمن لم يزر برشلونة من قبل لن يستوعب فداحة تأثير حادث إرهابى فى شارع «الراملا» تحديداً.. ولن يتعجب أن من ماتوا لم يزيدوا على الخمسة عشر إنساناً فقط..!
فشارع «الراملا» هو أكبر شوارع برشلونة التجارية على الإطلاق.. حيث لا يوجد «براند» فى العالم ليس له فرع فيه.. ولا يوجد «خرم إبرة» لا يكتظ بالبشر من كل جنسيات العالم.. خصوصاً العربية منها..
فى شارع «الراملا» ستجد محلات مكتوباً عليها بالعربية أنها تبيع لحماً حلالاً.. ستجد من يتحدث بعربية شمال أفريقيا المليئة «بالقاف» ليجذبك إلى محله للأكل أو للتسوق..
فى شارع «الراملا» لا ينام البشر.. يسهرون للصباح دوماً دون حراسة واضحة من الشرطة.. فلا يمكنك أن تلاحظ وجود من يرتدى زياً رسمياً فى ذلك الشارع الصاخب أبداً.. ولكنك تشعر دوماً أنك فى أمان تام..
لن يستمر الأمر بهذا الشكل.. فستسمع قريباً عن ذلك العربى الذى يعيش هناك.. والذى عثروا عليه مضرجاً فى دمائه بعد أن تعرّض للاعتداء من بعض الحمقى ليلاً..! أو عن تلك المحجبة التى تقطن إحدى ضواحى تلك المدينة الجميلة.. والتى نزع البعض حجابها من على رأسها داخل إحدى الحافلات وهم يسبونها بأبشع أنواع السباب!.. وربما يصل الأمر إلى أن تقرأ عن «مروة الشربينى» أخرى فى مكان ما.. هل ما زال البعض يذكرها؟!
إنه الوجه القبيح الذى يصر البعض على تصديره للعالم الغربى.. والصورة المغلوطة التى أصبحت تربط بين دين يدعو للسلام ويتسم بالسماحة وبين كل ما هو عنيف وقاسٍ فى هذا العالم!
الطريف أن فضولاً شديداً ينتابنى لأعرف كيف فكر ذلك العبقرى الذى تمكن من محو كل بواقى الحضارة من رأس شاب متعلم عصرى، وأقنعه أن يطيل ذقنه بصورة غير مهذبة.. ويكفّر المجتمع كاملاً.. ثم يتطور الأمر لينضم إلى تنظيم القاعدة أو أحد مشتقاته مثل «داعش».. ليبدأ فى حمل السلاح وقتل مدنيين دون أن يطرف له جفن.. وهو مقتنع اقتناعاً كاملاً أن إزهاق تلك الأرواح ليس أكثر من وسيلة للتقرب إلى الله!!
سوف تدفع الجاليات الإسلامية فى العالم أجمع ثمن ما فعله هؤلاء المرتزقة فى برشلونة كالعادة.. وسوف يخرج علينا الإعلام الغربى بحملات قاسية من الإهانة للعرب والمسلمين.. كالعادة أيضاً!! فى ظل غياب كامل للخارجيات العربية والإسلامية.. وفى ظل تغييب عجيب للإعلام العربى.. الذى ينبغى أن يعمل على تغيير صورة الإسلام فى أعين الغرب!
لن ينسى العالم الغربى حادث برشلونة بسهولة.. كما لم ينس ما قبله من حوادث.. ولن يتوقف ذلك العبقرى عن التقرب إلى الله بإزهاق الأرواح.. ولن أتوقف عن صب لعناتى عليه.. كلما نزعت حذائى فى مطار ما!!