الإصلاح فى واقع مثل واقعنا يحتاج نوعاً من الحصافة. ولست أشكّ فى أن وزير التعليم الحالى الدكتور طارق شوقى ممن يمتلكون رغبة فى الإصلاح ورؤية محددة المعالم لمسارات النهوض بالتعليم ما قبل الجامعى، لكن هذا أمر والتصريح الذى جاء على لسانه فى حواره مع الأستاذ رفعت فياض أمر آخر. ذلك التصريح الذى قال فيه: «أنا أستنكر المدرس الذى لا يهمه سوى زيادة راتبه ويعلو صوته مع أنه غير كفء، وأنا لست فى حاجة إليه، ونصف الوزارة إما حرامى، والنصف الثانى حرامى ومش كفء أيضاً». أحياناً ما تكون هناك حقائق مفهومة فى الواقع، لكنها لا تقال بهذه الطريقة. وزارة التربية والتعليم -شأنها شأن كل مؤسسات الدولة- تعانى من فساد وقلة فى الكفاءة، لكن هذا شىء والجرأة فى التعميم عند إطلاق الأحكام شىء آخر.
هناك حقائق مقررة ومعلومة بالضرورة فى الواقع، أحياناً ما يتورط بعض الوزراء فى ذكرها والجهر بها، فتكون النتيجة أن يثور عليهم الرأى العام، ويطاح بهم من مناصبهم. لعلك تذكر ذلك التصريح الذى أطاح بالمستشار محفوظ صابر وزير العدل الأسبق، الذى قال فيه إن «ابن الزبال ما يدخلش القضاء». فعلت أصوات بالهجوم عليه، رغم أنه قرر حقيقة فى الواقع، نعم هى حقيقة غير مقبولة، إذا كنا نحتكم إلى معايير التميز والكفاءة، لكنها موجودة وقائمة ومفعّلة فى حياة المصريين، ليس فى مجال القضاء فقط، بل فى مجالات أخرى متعددة، لا أجد داعياً لتفصيلها هنا. الناس تفهم، لكنها تضج بالغضب حين تسمع. والمسئول الذكى لا بد أن يكون واعياً بالتركيبة المزاجية للشعب الذى يتعامل معه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كل ما يقرره وزراؤنا مما هو معلوم للناس بالضرورة يلقى عليهم بمسئولية إصلاحية كبرى. نعم ابن الزبال لا يلتحق بسلك القضاء، لكن أين دور الوزير فى إصلاح هذه الأوضاع التى تقبل وترفض على أساس الهوية الاجتماعية، وليس الكفاءة؟. نعم هناك فساد فى وزارة التربية والتعليم وضعف كفاءة، فأين دور الوزير فى المواجهة والتطوير؟.
الإنصاف أيضاً يدعونا إلى القول بأن المعلمين وموظفى وزارة التربية -شأنهم شأن الموظفين فى كل المؤسسات- يعانون من أوضاع فرضت عليهم فرضاً. السرقة وضعف الكفاءة أمور فرضتها أنظمة سياسية حكمت هذا الشعب لعقود، والموظف ببساطة ضحيتها. وزير التربية يلوم الضحية ليس أكثر. انعدام الكفاءة على سبيل المثال يرتبط بعدم وجود طلب عليها. سنوات طويلة كانت التعيينات -ولا تزال- تتم على أساس معايير القرابة والواسطة والمحسوبية، بل والرشوة فى بعض المواقع. الكثير من مؤسسات الدولة لا تضع معايير لـ«الإثابة على الكفاءة»، بل على العكس، أحياناً ما تميل إلى معاقبة الكفء المتميز. لو كانت هذه المؤسسات تثيب الكفء وتعاقب المهمل لما وصلنا إلى تلك الحال، ولما أصبح الإهمال سيد الموقف فى مؤسسات الدولة. التجربة الإصلاحية لمحمد على تقول إنه سلك 3 مراحل فى التعامل مع الفساد وضعف الكفاءة، الأولى: الاستيعاب والدراسة المتأنية لأسبابهما، والثانية اتخاذ إجراءات إدارية للتعامل معها، أساسها دعم الكفاءة وإثابتها ومعاقبة المفسد والمهمل، وطبق هذه الإجراءات تحت إشرافه، وفى المرحلة الثالثة سنّ مجموعة من القوانين لمواجهة الفساد يتم تطبيقها دون العودة إليه.. لا بأس من التعلّم من تجارب التاريخ.