مقدمات عديدة حدثت مؤخراً أفضت إلى الاتفاق الذى تم بين حركتى فتح وحماس فى القاهرة، فبعد مفاوضات أجرتها فى القاهرة مع المسئولين المصريين لعدة أيام، أعلنت حركة حماس حل اللجنة الإدارية فى قطاع غزة، ودعت حكومة الوفاق للقدوم إلى غزة لممارسة مهامها والقيام بواجباتها فوراً، جاء ذلك استجابة للجهود المصرية الجادة والمكثفة بقيادة جهاز المخابرات لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، لكن رغم ما يشاع من أجواء مفعمة بالتفاؤل لما تم الاتفاق عليه، فإن المؤشرات الأولية فى اتجاه المصالحة مع أنها تبدو مؤشرات إيجابية ومختلفة عما سواها إلا أنها تحفل بآلاف التفاصيل الملغومة التى قد تنتهى بالاتفاق إلى ما انتهت إليه العشرات من الاتفاقات السابقة.
هناك أمران لا يمكن تجاهلهما قد يقفان حائلاً فى طريق تنفيذ الاتفاق بشكل جدى وتطبيقه على أرض الواقع؛ الأول أن الرئيس أبومازن ليست لديه الإمكانيات المالية والإدارية لإدارة قطاع غزة، والثانى أن «حماس» ليس لديها أى استعداد لتسليم سلاحها إلى السلطة الشرعية لأنها تعتبره سلاح المقاومة والقوة، وبالتالى فإن الطرفين يناوران، وفى الأصل هذا هو الموقف الرئيسى، لأن الرئيس محمود عباس لو تسلم قطاع غزة فلا بد أن تكون لديه سلطة فعلية ووحيدة لا ينازعها أحد فى الحكم، و«حماس» فى المقابل لن تسلم سلاحها وما تحتفظ به من ترسانة عسكرية بهذه السهولة للرئيس أبومازن، لذا سيظل الأمر معلقاً، وإن كنا نبحث عن نقطة ضوء فى آخر النفق، فالأمور معقدة وشائكة ولن تحل بسهولة كما نتصور. فقد بدأت الأزمة يشتد وطيسها بعد أن شعرت «حماس» بانقطاع التمويل عنها من إيران فأصبحت مواردها محدودة وتستنفدها كتائب القسام، الجناح العسكرى للحركة، فى شراء السلاح والتدريب والتطوير، وعندما حدثت الأزمة مع الرئيس أبومازن قبل نحو ثلاثة أشهر طلبت كتائب القسام من «حماس» الانسحاب من السلطة وترك حكم غزة لخلق فراغ سياسى وإدارى وأمنى لدحرجة الكرة فى ملعب فرض السلطة وإجبار «أبومازن» على التراجع عن كل قراراته، وبالتالى تفتح المعابر وتعود الرواتب، خاصة أن قوة «حماس» الفعلية على أرض الواقع لن تتأثر، لأن قوة كتائب القسام لا يوجد من ينافسها وإسرائيل نفسها لم تستطع تحجيمها أو القضاء عليها، فما بالنا بالرئيس عباس!.
لقد جاء التدخل المصرى بقوة فى الوقت المناسب وكان طوق النجاة بالنسبة لـ«حماس» فوافقت بلا تردد ودون شروط، كما كان فى السابق، ووضعت «أبومازن» فى حرج بالغ، فما كان منه إلا الترحيب بهذه الخطوة ولكن على مضض، ويتوقع المراقبون أن الطريق لن تكون ممهدة ولن تسير الأمور بسهولة لأن «أبومازن» يدرك جيداً أنه إذا وافق على ذلك فإنه سيتحمل العبء المالى والإدارى الكامل فى غزة دون أن تكون له سلطة فعلية على الأرض، لكنه مضطر للموافقة والتهرب من هذا الاتفاق، وهنا المخرج الوحيد له هو طرح مسألة سلاح كتائب القسام والتى تعد بمثابة خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه. وبدأ التمهيد لهذا الأمر بالفعل عندما ظهر الناطق باسم جهاز أمن السلطة ليقول إن السلطة لن تقبل أن يكون فى غزة سوى سلاح واحد هو سلاح السلطة الشرعية، لذا سيجتمع «أبومازن» مع القيادة السياسية فور عودته من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك ليحدد السياسة التى سيسير عليها مستقبلاً.
الوقائع تؤكد أن الرئيس عباس لا يستطيع تحمل تكلفة غزة لتحكمها «حماس» مهما أبدت الأخيرة من مرونة وتنازل، فالقضية الرئيسية بالنسبة لها هى المقاومة ضد الاحتلال، وقد اكتسبت هذه الشرعية بعد ثلاث حروب خاضتها ضد إسرائيل وهو ما يعزز من شرعيتها الشعبية، لذا لم يكن حل اللجنة الإدارية والموافقة على المقترحات المصرية لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام صعباً عليها، بل تعتبر خطوتها هذه جاءت استجابة للجهود المصرية وتعبيراً عن حرصها على متانة العلاقات مع مصر الراعية والداعمة للقضية الفلسطينية عموماً وملف المصالحة الفلسطينية بشكل خاص.
إن توقيع الاتفاق بين حركتى فتح وحماس وبعد ضغوطات مصرية يضع الرئيس عباس فى موقف لا يحسد عليه، خاصة بعد دعوة «حماس» لحكومة الوفاق الوطنى فى رام الله إلى القدوم إلى غزة لممارسة مهامها، وموافقتها على إجراء الانتخابات العامة وتلبية الدعوة المصرية للحوار مع «فتح» حول آليات تنفيذ اتفاق القاهرة 2011 وملحقاته لتشكيل حكومة وحدة وطنية فى إطار مشاركة الفصائل الفلسطينية الموقعة على الاتفاق، ويظل الهاجس الذى يشغل بال الفلسطينيين إلى متى يمكن أن يصمد هذا الاتفاق؟ وهل يمكن فعلاً إنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة المنتظرة منذ عشر سنوات؟!