على ضفاف نهر النيل فى قاهرة المعز، وخلال زيارتى الأخيرة لأُم الدنيا، حظيتُ بسُوَيعات فى لقاء فنان استثنائى وعاشق من طراز خاص فى محراب التصميم والإخراج الصحفى على صعيد النظرية والتطبيق والدراسة المتأصّلة والممارسة المتفردة. راودتُه لأرصدَ نبضَ قلبه، فإذا به يعزف بفكره الإبداعى سيمفونية عذبة تكاد تكون نادرةً، لما حوته من منظومة جامعة لكل صنوف «العشق والإبداع والابتكار» فى نوتة واحدة، هى لحن الخلود فى «الإخراج الصحفى الإبداعى».
أبحرتُ لساعات فى حضرته، وتشبثتُ كتلميذ مُذعنٍ فى مربع الإصغاء لعَبَق فكره الذى شنّف الآذان، فأسَر التركيزَ بعزفه المنفرد، وما زاد التجلّى وأضفى على اللقاء بهاءً نهرُ النيل على يمناك، وذلك الفارس من الطراز الخاص أمامك، إنه العَلَّامة الشغوف الدؤوب، الذى صحبنى فى رحلته منذ بداياته القاهرية، ثم طاف بى مختلف محطاته ودروبه فى عالم الصحافة، وبصماته المهنية والمعرفية وريادته العلمية فى أرقى الجامعات الكندية، لأعود معه إلى أُم الدنيا لهدف سامٍ يكمن فى ترسيخ علمٍ وتمكين مريدين، وإلهام عاشقين، ومنح الأمل لحيارى دروب الصناعات الإبداعية الصحفية، ويغذّى وجدانهم، ليجدوا ضالّتهم فى صومعته، فعنده مَعين لا ينضب من الدفء المعرفى والعطاء الإنسانى المتدفق، ما يجعلك تمنحه لقب «سفير الإخراج الفنى الصحفى» بكل جدارة، وكما يقولون حين تتحدث عن الإخراج الفنى للصحف المصرية، عليك أن تبدأ بسؤال محورى ومفصلى: هل تتحدث عن ذلك قبل الفنان المبدع الدكتور أحمد محمود أم بعده؟
فى بلاط صاحبة الجلالة، ما أكثر المهنيين المتخصصين المجتهدين! ولكن ما أقل العازفين المبدعين الذين يبهرونك ويطلعونك على عالم آخر، ويشغلون حيزاً من العقل والفؤاد بما يحملونه من شغف ليس له حدود، وعشق لا يعرف قيوداً، وهمّة لا تقبل بأقل من القمّة، وعزيمة نحو التجديد والبناء على وتريات تبوح بمزيج غير مرئى من الثقافة المتجذرة، والبيئة العريقة، والهوية الأصيلة، ليخرجوا لنا من بين أناملهم مُخرَجاً فنياً يتمتم معه لسان حالك ونبض قلمك: ما أبدعه هذا الملّاح العتيق فى الإبحار نحو شواطئ الريادة فى الإخراج الصحفى ليعود لنا بكل جديد يبهرنا! ودليلك هو بَصْمته المتفردة على صحف «الدستور» و«المصرى اليوم» و«الوطن» وغيرها داخل وخارج مصر، وكذلك بَصْمته بعد فوز منتخبنا المصرى.
إلى كل رفقاء الدّرب وكلّ حامل قلم وكل مَن يعتلى منصّة إعلامية.. لا تنتظروا الغد لتجودوا على إنسان وفنان وصاحب قيم مهنية وإنسانية سامية بأقلامكم ومنابركم الإعلامية، لا تجعلوا من الرحيل سبباً فى التتويج وذكر طيب الشمائل وعراقة الخصال وحُسن السيرة، لا تجعلوا من الفراق الأبدى ثمن الإشادة والتبجيل والتكريم بعد فوات الأوان، أمامكم فارس وفنان ومدرسة متفردة تسبر الفكر خارج الصندوق، وتُحلّق فى آفاق الإبداع، بين أيديكم مؤسسة صحفية حداثية متكاملة فى حجم رجل اسمه الدكتور أحمد محمد محمود، يعيش بيننا، ويملأ صحفنا المصرية والعربية، ويلهم طلابَه بالجامعة من مَعين فكره، وما تجود به أنامله إبداعاً وتفرّداً.
يا رواد الصحافة والإعلام.. ابحثوا عن هامات وقامات وعلامات إبداعية فارقة فى مجتمعنا المتقلّب على نار الآفات المجتمعية، ولكنه الزاخر بالمتميزين والمبدعين؛ لتكتبوا عنهم وتعتلوا معهم المنصات، لأنهم رغم نسيانهم وتأخّر تقديرهم، قد منحوا لغيرهم الأمل، وإياكم وقاعدة «ارحَلُوا لتُكَرَّموا».
أيها الصنايعى العاشق.. لقد أضفتَ إلى هذا المساء جمالاً ومعرفةً بحجم عمرى، لن أنسى تلك السُّوَيعات، فعطرها ما زال حاضراً رغم بُعد المسافات.