لم يكن سكان مقاطعة نورفولوك الهادئة شرق بريطانيا التى هى موطن للمتقاعدين والمزارعين يدركون أن منطقتهم ستكون مقصد العشرات من الصحفيين الذى جاءوا من أنحاء الدنيا للقاء «جوليان أسانج» بعد سجنه ثمانية أيام ثم اختياره العيش تحت الإقامة الجبرية فى هذه المنطقة، وقد أدى هذا إلى انتعاش اقتصادى غير مسبوق لمطاعم وحانات وفنادق المنطقة لعدة أسابيع، فالبار الوحيد فى القرية كان يعج بالصحفيين طوال الوقت، أما الفنادق والنزل والمطاعم فقد شهدت إقبالا غير مسبوق، وكان سكان المنطقة الذين هم مثل سكان الريف فى كل مكان يتساءلون عن هذا الوافد الأسترالى الذى أنعش جيوبهم وملأ مطاعمهم وفنادقهم بالزبائن.
بقيت مع أحمد إبراهيم أربعة أيام فى تلك المنطقة خرجنا خلالها مع «أسانج» عدة مرات حيث كانت فى رجله حلقة إلكترونية تحدد أماكن ومسافات تحركه، وروى لنا كثيرا عن النظام المعقد الذى ابتكره ويستخدمه فى تشفير المعلومات، كما حدثنا عن أنواع أجهزة الكومبيوتر المحمول التى يسهل اختراقها والأخرى الأكثر تعقيدا كما حدثنا عن اختراق أجهزة الهاتف التى هى من أسهل التقنيات فى التنصت والتتبع، وقال إن هناك أجهزة هواتف لا يمكن اختراقها أعطانا اسمها والشركة الألمانية التى تنتجها وأبلغنا أنها تباع بطلب خاص، وقد طلبناها واشتريناها بالفعل لكننا اكتشفنا أنها تقتضى أن تكون ضمن إطار شبكة تستخدم نفس الهواتف أما إذا استخدمت مع هواتف أخرى فإن التشفير لا قيمة له لأنه لا بد أن يكون الطرف الثانى يستخدم نفس الجهاز، وقال لنا «أسانج» إن عملاء الـ«سى آى إيه» يستخدمونها حول العالم ولديه معلومات أن الـ«سى آى إيه» طلبت كمية منها قبل أيام، أما أجهزة الكومبيوتر الخاصة به فكانت من نوع «أبل ماكنتوش» والأجهزة التى عليها المعلومات كان لا يصلها أبدا بالإنترنت إلا بعد أن يقوم بعملية التشفير الكاملة لها، فى جلسة صفاء قلت له: ماذا لديك عن حسنى مبارك من وثائق ياجوليان: فتح جهازه وبعد قليل لى: ثلاثة عشر ألف وثيقة، قلت له: وماذا عن عمر سليمان؟ قال: الكثير هو رجل أمريكا الأول فى المنطقة وقبل أن ندخل فى التفاصيل عنهما، فاجأنى وقال لى: لقد مر علىَّ اسمك فى بعض الوثائق هل تحب أن أخبرك بالوثائق التى ورد اسمك فيها؟ قلت له بتعجب: اسمى أنا؟ قال: نعم، لقد مر علىَّ اسمك مرارا حيث أجريت بحثا عنك حينما طلبت لقائى أول مرة وحينما وجدت أنك من الصحفيين الذين لا ترضى عنهم أمريكا ولا الأنظمة العربية قبلت الحوار معك دون تردد؟ قلت له: لا بد أن تخبرنى بالتفصيل، بحث قليلا ثم قال لى: معظمها عن تغطيتك لمعركة الفلوجة فى العراق فى أبريل من العام 2004 كان الأمريكيون غاضبين عليك للغاية وتقارير السفارة الأمريكية فى بغداد عنك سلبية وكانوا يعتبرونك من خلال تغطيتك سببا فى فشل المعركة الأولى.
أذكر أننى بعد انتهاء الحلقة الأولى من بلاحدود أخبرتنى الزميلة روان حجازى منتجة مكتب الجزيرة فى لندن بصفتى المنتج المسئول عن البرنامج أن الإنجليزية التى يقيم «أسانج» فى بيتها تريد ألف جنيه إسترلينى مقابل دخولنا بيتها وتسجيل الحلقة من هناك قلت لها: أعطيها خمسمائة جنيه فقط؟ قالت روان: إنها طماعة ولن تقبل؟ قلت لها أنا أريد أن أستفزها وأستفز طمعها؟ قالت روان: لن تقبل يا أحمد بأقل من ألف؟ قلت لها سأعطيها الألف ولكن بعد أن أمرغ أنفاسها فى الثلج، وكانت درجة الحرارة خارج البيت ما دون الصفر والثلوج تغطى المكان.
وقفت قريبا حتى أسمع ردة فعل الإنجليزية على ما سوف تعرضه عليها روان؟ وكان ما توقعت صراخا واستنكارا أثلج صدرى فى تلك الليلة الباردة، فجاءتنى روان وهى مكفهرة الوجه فوجدتنى أبتسم، قال لى أحمد إبراهيم وهو يبتسم ضاحكا: يالك من شرير وافق على إعطائها الألف جنيه ولا تعرض روان للحرج أكثر من ذلك، قلت له: لا أحب الاستغلال هل يليق أن تستضيف الرجل فى بيتها ثم تتاجر بإقامته؟ نكمل غداً