لونا تحترق
عدت من أوسنابروك وقد انتصف نهار لونا، واشتدت رياحه، وجفت أمطاره. كان الجو باردا؛ شديد البرودة، وكنت أسمع صرير الرياح من كل مكان، أسرعت إلى البيت وقد افتقدته لليلة كاملة، ألقيت بنفسي فوق السرير، أغمضت عيني لدقائق أو لثواني لست أدري، ما أتذكره هو أنني قمت فزعا من أصوات سيارات الإسعاف وسيارات الإطفاء تخترق جدران البيت، هرعت إلى الصالة أنظر من نوافذها فارتفعت الأصوات أكثر فأكثر ولم أرَ شيئا.
فتحت التلفاز أقلب في قنواته فلم يكن هناك جديد، وسمعت صوت هاتفي يعلن عن قدوم رسالة، كانت من سباستيان يخبرني فيها أن أغلق جميع نوافذ الشقة فهناك حريقٌ كبيرٌ في لونا!
هرعت إلى نوافذ الشقة فأحكمت إغلاقها جميعا، ثم عدت إلى مكاني وقد انتابني قلق رهيب ورعب. أرسلت إلى سباستيان عدة رسائل، كلها تنتهي بعلامات استفهام: أين؟، كيف؟، ماذا؟، لماذا؟، متى؟
لم يأت رد سباستيان سريعا، لذا بحثت في الإنترنت علّني أجد ما يروي ظمئي، أو أقرأ شيئا يُخمد فضولي، وكتبت في جوجل العظيم ما يلي : حريق في لونا. فظهر لي عنوان الخبر التالي: دويّ صفارات الإنذار لا يهدأ في لونا: ثمة عمل إرهابي. عمل إرهابي في لونا، لطفك يارب؟!
زاد توتري، واشتد قلقي، وانتابتني هواجس وأفكار لا نهاية لها، كلها أفكار شيطانية مقلقة، سيبحث البوليس بلا شك عن الأجانب العرب الذين يعيشون في لونا، وسيأتي ليقبض على، ليس من الصعب معرفة مكاني، كيف سأثبت له أنني لم أكن موجودا في لونا، ماذا لو أنكر صديقي في أوسنابروك مبيتي عنده بالأمس، معي دليل، تذكرة القطار، هل تكفي كدليل؟ يا إلهي! أفكار شريرة تحاصرني من كل مكان، لم تهدأ تلك الأفكار حتى جاءتني رسالة أخرى من سابستنيان، كان بها عدة صور للحريق، سألته: هل هذا عمل إرهابي؟ أجاب بكلمة واحدة: أشك. قلت له ولكني قرأت في جوجل خبرا يقول أن ثمة عملا إرهابيا في لونا. أجاب بأن هذا الخبر قديم، أحداثه تمت قبل أن آتي إلى لونا!
عدت إلى الخبر أتأكد من تاريخه فوجدته بالفعل قديم، فبدأت أهدأ، ولكن صفارات الإنذار والإسعاف والمطافي لم تهدأ، بل زادت حدتها، ونظرت من النافذة فرأيت سحابة سوداء كبيرة، ولحسن الحظ أن الرياح أخذتها بعيدا عن بيتنا.
كانت الفديوهات التي أرسلها لي سباستيان توحي بأن الأمر خطير؛ أكبر مصانع الدجاج في ألمانيا يحترق، ترى ما السبب؟ قلت لنفسي لا بد وأن موظف المخازن هو من أحرق المصنع خوفا من الجرد! يحدث ذلك كثيرا عندنا في مصر! ولم يستبعد سباستيان هذا التخمين.